أحمد عبد الحسين
أوعز السيد مقتدى الصدر لنوّاب كتلته بتقديم استقالاتهم إلى رئيس البرلمان الذي وافق ووقّع على الاستقالة الجماعية للصدريين.
لم يكن الأمر تهديداً إذن أو محض مناورة. وستكون لهذا الخبر أصداء قريبة وأخرى بعيدة. أما القريب منها فهو جعل "الإطار التنسيقي" أغلبية بفعل الأمر الواقع، وستنتقل الأعباء والكُلَف التي تستلزمها "الأغلبية" من أكتاف الصدريين إلى أكتاف أخرى، ومعها سيتخفف الصدر من مسؤوليتين كبيرتين: الإعداد المضني لتشكيل الحكومة، ومن كونه طرفاً في تحمّل الانغلاق السياسيّ.
أما الصدى البعيد لهذا الخبر فهو جعل الأمر أحد اثنين: إما حكومة بلا صدريين وهي ستكون بالغة الهشاشة تتهددها قدرة الصدريين على تحريك الجماهير وذخيرتهم من الخبرة الاحتجاجية المتراكمة. وإمّا انتخابات مبكّرة أحسب أن الصدر يعدّ العدّة لتسفر عن "أغلبية" حاسمة هذه المرة وليست عرضة للتأويل.
لا أحد يحسد مَنْ سيبقى في البرلمان بعد انسحاب الكتلة الصدرية، إذْ ستكون أمامهم أيام ثقال. ويبدو أن تصلّب المواقف الذي أسهم في إيصال الحال إلى هذا المنعطف، كان ناتجاً من عدم قدرة كثيرين على قراءة خطاب الصدر، وتعويلهم على إمكانية أن يتراجع في اللحظات الأخيرة إزاء الضغوط الداخلية والخارجية.
لحظة أن انسحب الصدر من خطابه أمام مؤيديه بمناسبة ذكرى استشهاد والده، قلتُ إنها لم تكن عفوية، كانت لحظة مشهدية مصاغة بعناية. هو أراد أن يورد عدّة أطروحاتٍ؛ ذكر منها الأولى فقط ثم انسحب تاركاً لنا تخمين الثانية، فإذا عرفنا أنه كان في معرض توجيه الاتهامات، وكان المتّهَم الأول نظام صدام، انسحب الذهن تلقائياً إلى متهمين آخرين أراد أن يوحي بهم
من دون أن يسمّيهم.
نفس المشهدية الموحية تحدث الآن: الانسحاب في لحظة يختارها هو ليلقي بالمسؤولية على غرمائه محمّلاً إياهم أعباء كان يتحملها وحده باعتباره يترأس "أغلبية" عرضة للتأويل وغير حاسمة.
المشهد يزداد تعقيداً. والخيارات التي يطرحها انسحاب الصدريين، كلّها تشير إلى تعميق الانسداد.
هل هناك حلول؟
بقي الأمل ـ على ضعفه ـ معقوداً على تنازلات وطنية تاريخية من قبل القادة السياسيين، إنْ لم تكنْ لإنقاذ العراق من محنته فعلى الأقل لإنقاذ العملية السياسية التي يستثمرون فيها رصيدهم المعنويّ والماديّ!