{أنفسنا وحدنا}.. حينما تمنع السياسة نشر الحقائق

الصفحة الاخيرة 2022/06/13
...

  كيران اتشاريا
   ترجمة: بهاء سلمان
 
عندما كان "جون لوي" بعمر 18 عاماً، وقف في منطقة مور لين بمدينة دبلن، مشاهداً الثوار المسلحين لانتفاضة عيد الفصح الايرلندية يستسلمون للجيش البريطاني، وكانت الانتفاضة، التي أثارها الجمهوريون عام 1916 ضد حكم بريطانيا لإيرلندا، قد احتلت الصفحة الأولى لصحيفة نيويورك تايمز لثمانية أيام متتالية قبل أن تنتهي بالهزيمة حينما أعلن أحد قادتها "باتريك بيرس" عن استسلامه غير المشروط.
تم إقحام جون، وكان جنديا بريطانيا في أيام إجازته، في الصراع الايرلندي من قبل والده، الجنرال "ويليام لوي"، قائد القوات البريطانية في دبلن. وكانت انتفاضة عيد الفصح عصيانا مسلحا مفاجئا وسط خضم الحرب العالمية الأولى، ليعمل الجنرال ويليام على جمع أكبر عدد من الرجال حتى يتمكن من قمع المعارضين. ذهب جون مع والده لمشاهدة المتمرّدين وقد تم اقتيادهم عبر الشوارع لإعدامهم في سجن كيلمينهام.
 
أفكار مغايرة
بقيت الحرب مستمرة لتدمّر المدن الأوروبية في السنوات التالية، وبعد زيارته الحافلة بالأحداث إلى دبلن، عاد جون إلى الجبهة الغربية، حيث نجا من معركة السوم، وزمن قضاه في معسكرات الأسر لدى الألمان.
بيد أن جون كانت لديه طموحات أكبر مما تحمله مخيّلة والده العسكرية، فبعد إبرام معاهدة فرساي عام 1919، بدأ يعمل بالتمثيل ضمن مصلحة السينما الألمانية الحديثة النشوء. وقلل من الحديث حول مشاركته بالحرب وزيارته إلى دبلن، وغيّر لقبه الأسري إلى "لودر"، كي يجنّب والده الإحراج من كون أحد أفراد الأسرة من الممثلين.
تم لاحقا الإيفاء بالدين، فبعد إبحاره إلى أميركا على متن سفينة فرنسية، وقع لودر عقدا مع شركة باراماونت ستوديوز، وظهر عام 1929 في "سر الطبيب"، أول فيلم ناطق للشركة، وكذلك "المياه السوداء"، أول فيلم ناطق تنتجه بريطانيا لكي يعرض في انكلترا، كممثل سطع نجم لودر  وصار اسمه مشهورا، إلا أن تبعته الإنكليزية الأساسية بقيت محددة بمدى مهنته في أميركا. وعاد إلى استوديوهات لندن، ليلعب الدور البطولي للمحقق في فيلم الرعب "سابوتيج" الذي أخرجه الفريد هيتشكوك عام 1936.
لكن أحد الأفلام، المنسي بشكل كبير حاليا، كان قد جلب جون وجهاً لوجه مع تاريخ ايرلندا المثير للجدل الذي شهده بنفسه كفتى. تم اخماد انتفاضة عيد الفصح 1916 خلال أسبوع، غير أن سنوات العداء التي تلت، قد أكسبت هدف المتمرّدين باستقلال ايرلندا دعماً واسع الانتشار، ويظهر فيلم "أنفسنا وحدنا" (Ourselves Alone) لودر نقيبا في الجيش البريطاني داخل ايرلندا خلال الأيام الأولى لما سيكون لاحقا نزاع أجيال طويل الأمد.
 
صراع مرير
كانت الحكومة البريطانية قد قسّمت ايرلندا عام 1921، فارضة حدوداً على الجزء الشمالي الشرقي المعروف حاليا بايرلندا الشمالية، وحينما عرض فيلم لودر، عام 1936، رأت السلطات في ايرلندا الشمالية أنه يمثل دعاية للجمهوريين الايرلنديين، ليتم حظره فورا وفقا لـ"قانون الصلاحيات الخاصة"، وهي سلطة رقابة مثيرة للجدل وظفت للحفاظ على القانون والنظام، تغلق الحانات وتمنع التجمعات وتحمي المدنيين من التأثير المفسد المفترض للممثلين على الشاشة الفضية.
يقول "هيو اودلنغ"، مدير شركة أفلام ايرلندية شمالية: "هذه هي القضية الوحيدة التي سمعت أن البرلمان والحكومة المركزية حظرا فيها فيلماً ما، فالفيلم عادة يخضع لقانون سلطة محلية بالتالي، فحينما منعوا على سبيل المثال، فيلم "فرانكشتاين" في بلفاست، كان قرار المجلس المحلي، وكذلك حصل لاحقاً مع فيلم "رقصة التانغو الأخيرة في باريس".
عرض الفيلم في أميركا باسم "نهر الفتنة"، وأخرجه "براين هورست"، الايرلندي الشمالي الذي قاتل في شبه جزيرة غاليبولي التركية قبل دراسة صناعة الأفلام في هوليوود تحت يد "جون فورد". يقول اودلنغ: "لدى هورست شخصية مبهرة، وتم إهماله للأسف. كانت لديه بصمة حقا، وتميّز بأسلوبه الفريد والشخصي؛ ووصفه البعض بكونه "بوهيمي بلفاست الأول".
تم جلب هورست إلى طاقم الفيلم لإنقاذ لودر، والفيلم من إخراج مرتبك، متقبلا تجرّع الكأس المسموم لإحداث توازن للفيلم الذي سقط إلى شبكة لاذعة من الجدالات السياسية والتاريخية، اعتمد الفيلم على مسرحية حملت اسم "القلاقل"، أسهم "جيمس ستوروك" في كتابتها،  وهو ضابط استخبارات بريطاني سابق كان قد شارك في المداهمات المميتة ضد الجيش الجمهوري الايرلندي خلال فترة دموية من الكر والفر عام 1920، وتم التساؤل عن ماضي لودر أيضا؛ ولم يعرف أحد على وجه اليقين إلى من كان ينحاز الفيلم.
 
جهد كبير
عندما عرض الفيلم لأول مرة في انكلترا، كان اسم لودر ساطعا بالأنوار فوق مبنى "لندن بافليون" الشهير وسط العاصمة، بمعية بطل الفيلم الآخر لودج، الذي صار بعد عدة عقود حاكم ولاية كونتيكيت. تزوّج لودر من "هيدي لامار" المحتفى بها آنذاك كأجمل امرأة في العالم، التي كان دورها محورياً في اختراع الطيف الترددي.
استمر لودر بعمله لغاية عام 1971، بينما تصاعد العنف السياسي في إيرلندا الشمالية، ليبلغ أوجه عام 1972. لم يتكلم لودر علانية عما رآه في انتفاضة عيد الفصح حتى نشر مذكراته عام 1977، متذكرا رؤيته لرهبان يخاطرون بحياتهم خلال تبادل لإطلاق النار في دبلن لتأدية الطقوس الأخيرة للموتى، مستذكرا موت الشاعر والمعلم باتريك بيرس رابط الجأش حتى لحظة اعدامه في سبيل مثله العليا.