{ألماس مكسور} عندما ينكسرُ زجاجُ الدراما بأحجار الواقع

الصفحة الاخيرة 2022/06/19
...

 رضا المحمداوي
منذ المشاهد التأسيسية الأولى من الحلقة الأولى من مسلسل {ألماس مكسور} لمؤلفهِ محمد حنش ومخرجهِ اللبناني دافيد أوريان وإنتاج قناة (m.b.c عراق) بدا لنا هذا العمل الفني بعيداً عن الواقعية والالتزام، ولمْ يكن مخلصاً لموضوعتهِ واختياراتهِ الفنية، كي يسعى من أجل توفير عناصر الإقناع وأدوات التأثير.
فقدان الهوية الدرامية
طابع الواقعية وصبغة الإخلاص اللتين افتقدهما المسلسل، نابعة من عدم الالتزام بأصول وعناصر الهوية الدرامية والنوع الفني، التي اختارها المسلسل لنفسه، حيث عادةً ما توصف مثل هذه المسلسلات بأنها من أعمال (الدراما الريفية)، التي تتخذ من الريف مكاناً ومحوراً درامياً رئيساً بشخصياتهِ وبيئتهِ وهمومهِ 
ومشكلاتهِ.
ومن جانب آخر وَقَعَ المسلسل في فخ إضفاء طابع الرومانسية على تلك البيئة الريفية، من خلال قصة الحب الطويلة بتفاصيلها الكثيرة وأحداثها المتعددة، وامتدتْ على مدى ثلاثين حلقة والتي جَمَعَتْ بين الفتاة القروية الفقيرة (ريف) (هند نزار) والطبيب الشاب (أحمد) (الكسندرعلوم)، الذي يفتح عيادته هناك في تلك القرية، بينما يقف ابن العم تاجر المخدرات (رائد) (غسان إسماعيل)، عائقاً أمام هذا الحب ويعكّرُ صفو العلاقة بين الحبيبين. فكانَ أن وقع المسلسل في حالة اغتراب عن واقعهِ.
 
الاغتراب الدرامي
 لأن المكان الدرامي العراقي الذي اختارهُ المؤلف وجسَّدَ شخصياته وأحداثه المخرج اللبناني، وجعلها تتحرك في ذلك الحيز من المكان ظلّا يعانيان من ذلك الاغتراب الدرامي.
فالبيئة الريفية العراقية بهويتها الزراعية وطبيعتها الإجتماعية المحافظة والعلاقات القروية، وَغَلَبَة الطابع العشائري وسيادة التقاليد والعادات، التي تجمع هذه المنظومة وتتحكّمُ بها من حيث السلوك والتصرفات العامة، وطبيعة الأزياء والملابس السائدة واللهجة الريفية المتداولة وألفاظها، بما تتضمنهُ من صياغات تعبيرية وأمثال وحكم شعبية، والتي يفترض بها هنا في هذا المسلسل أنْ تكون هي لغة الحوار المعتمدة... بقيت تلك البيئة ومفرداتها غائبة ًتماماً، وليس سهلاً أن تجتاز هذه الحواجز وتقفز على تلك الموانع وتحمي في الوقت نفسه زجاج العمل الدرامي من الانكسار جرّاء تساقط أحجار الواقع الثقيلة عليه من كل 
جانب.
الحيلة الفنيًّة الجاهزة
على المسلسل باختيارهِ لهذا المكان وطبيعتهِ أنْ يسعى لترجمة تلك المواصفات، إلى صيغة درامية صادقة ونابضة بالحياة، ومُعبّرة عن موضوعات ومشكلات وأفكار تلك البيئة الدرامية وخصوصية 
مجتمعها. 
لكنَّ "ألماس مكسور"، إزاء هذا كله قد قام بتغييب معالم وملامح تلك البيئة القروية وبيئتها الريفية، ولجأ إلى الحيلة الفنية الجاهزة التي غالباً ما تلجأ لها مثل هذه الأعمال الدرامية، حيث يتم حضور الشكل الخارجي واستعارة هذا السطح الطافي من الواقع، مقابل تغييب الهوية الأصلية وطابعها المعروف، فتكون النتيجة بيئة هجينة، تنتج مسلسلاً هجيناً لا ينتمي إلى واقعهِ، ولا يُعبّرُ عن معاناة ذلك الواقع وقضاياه وهمومه 
الاجتماعية.
دلالة اختيار المكان
لنتساءل هنا: ما القضية الريفية أو الفلاحيَّة أو الزراعية، التي أراد هذا المسلسل بحلقاتهِ الثلاثين أن يطرحها؟ وما موضوعه الرئيس في تلك البيئة غير قصة الحب بين الفتاة القروية الفقيرة والطبيب الشاب؟ وما دلالة اختيار هذا المكان؟ وأين خصوصيته الدرامية؟
فالمكان الدرامي ليس مكاناً اعتباطياً يتمُّ اختياره بشكل عشوائي، كما أنه ليس مكاناً عائماً، وإنما هو بيئة درامية كاملة وإطاراً إجتماعياً مفتوحاً على العديد من الاشتراطات، وأهمها خضوعه للتقاليد والأعراف والعادات 
الإجتماعية.
ومن هنا فأن إنبات تلك الشخصيات وزرعها في غير أرضها يجعل تلك الشخصيات وكأنَّها أُلصِقَتْ بالعمل الدرامي من الخارج، وليستْ نابعة ً منهُ أو متجذرة فيه، في حين أنك لن تجد مكاناً أكثر من بيئة القرى والأرياف التصاقاً بالأرض والارتباط المصيري بها.
نهر الموت
وعلى سبيل المثال، لا الحصر، نجد الشخصية الرئيسة في المسلسل تحمل اسم (ريف) ويفترض بها أن تحمل بعضاً من دلالة هذا الاسم، الذي يوحي الارتباط بالأرض والطبيعة والزراعة وما يشابهها، لكننا وجدناها أبعد ما تكون عن هذه المعاني أو دلالالتها، ولم يحاول المؤلف ترسيخ معنى الأرض والنهر المحاذي للقرية، وغابات النخيل داخل بنية العمل الدرامي.      وبمناسبة ذكر النهر الذي تغفو القرية بجواره، لا بُدَّ من التذكير بأن المسلسل جَعَلَ من ذلك النهر عبارة عن مكب لرمي جثث القتلى في مياههِ الجارية!.
 
غزل المخرج الوهمي
أمَّا عن مفردات وأدوات تلك البيئة الريفية بطابعها القروي وعناصرها المفقودة، هل بإمكاننا ان نسأل المخرج اللبناني (دافيد..) أين أغنام القرية؟ وأين أبقارها ومواشيها؟ وأين مراعيها؟ وأين الزراعة ومشكلات الماء والسقي؟ وأين مواسم الحراثة والبذار والحصاد وجني الثمار؟ وهذه غابات النخيل التي تغزَّلَ المخرج بجمالها بلقطات الكاميرا الطائرة، أين مالكوها وأين العاملون بها؟ 
وهل يُعقل أن يتم اختصار حياة القرية بالدكان الصغير للفتاة وفاء(رهام البياتي) الجميلة الفارعة وقوامها الممشوق، وهي تديرهُ بدون حجاب أو عباءة مقابل المقهى مباشرةً، حيث تروج تجارة المخدرات!!
وحتى الشخصية الرئيسة (أحمد) وعمله كطبيب في تلك القرية، فهناك ألف سؤال وسؤال عن تواجدهِ وطبيعة عمله هناك، فهذه اليافطة الطبية التي تحمل اسمه واختصاصه الطبي، هل هي تابعة إلى مستوصف صحي أم إلى عيادة شعبية، أم انها عيادة خاصة في تلك القرية المُفترضة؟ أمَّا الجانب الإداري والتنظيمي الرسمي المفقود لتلك التوصيفات فحدّثْ ولا حَرَج عن غيابه.