علي حسن الفواز
قالَ أحدهم: في الحرب تضيع الحقيقة، وعند الجوع تتوحش فردية الإنسان، لأنه سيدافع عن نوعه وعن ذاته، لكن ما تصنعه السياسة الآن يجعلها أكثر ضياعاً، وأكثر اغتراباً واستلاباً، إذ ستتحول الحرب إلى لعبة مفتوحة، وإلى مجاعة عمومية، وعلى نحوٍ يجعل العالم قريبا من حافات التخيّل، فالرأسمالية تتسلّح بالكراهية، وأسواقها ستضع ماركات الماكدونالد على الصواريخ، والتوصيف الامبراطوري سيفتح الشهوة للزحف على كلّ الدول التي تملك قابلية “ أكل الأسلحة” والفلسفة البراغماتية ستكون شبيهة بعروض الكوميديا السوداء، والأدهى أنّ “الليبرالية الجديدة” بوصفها الصناعة الرأسمالية الأحدث!، ستدخل إلى السياسة لتمسخها، ولتجعل من أفكارها حول الخصخصة والحرية والفردانية مجالات لفرض اقتصاديات السيطرة والإخضاع، فالفرد الحر سيكون ريبوتاً، والجسد سيكون جزءاً من الفرجة، والتوزيع العقلاني للمواد سيكون خياراً لاقتناء المزيد من الأوهام، بوصف أن الأسواق الليبرالية ستضجّ بكلِّ شيء، لكن “تضخم التضخم” سيجعل الناس متفرجين، يعيشون لذائذ النظر عبر “الفاترينات»
ما يحدث الآن في أوروبا وفي أميركا يدخل في “السيكوباثيا” الليبرالية الجديدة، إذ يذهب السياسيون إلى الحرب، وإلى استعادة ما يشبه الاستبداد، والخطاب الثقافي يختلط بترياق كراهية الآخر، مثلما بدأ الزعماء الغربيون بطرح نظرية”غربنة” أفريقيا، وهو ما فعله بوريس جونسن رئيس وزراء بريطانيا حين أمر بنقل طالبي اللجوء في بلده إلى جمهورية راوندا، وهو حلّ عنصري، ولا إنساني، وكأنه يقول أنّ النسخة من “الليبرالية المستبدة” ستكون جاهزة، وقابلة للاستخدام، وعلى العالم الليبرالي تطبيقها.
الاستبداد الليبرالي هو الأكثر بشاعة، لأنه يقنن الحريات، ويعيد إنتاج مركزة الاستعمار، وجرّ العالم إلى حروب غرائبية، يختلط فيها الجوع بالخوف وبالبرد مع البحث الفنطازي عن “الملاذ الآمن” فضلاً عن البحث عن الآديولوجيا الطهرانية، وكلّ هذا سيجعل فلاسفة الليبرالية الجديدة مهووسين بفكرة البحث عن السوق الشامل، بوصفه المجال العمومي للتفوّق على المدرسة والكنيسة والجامعة، وصولاً إلى صناعة “مجتمع السوق” وهو المجتمع الذي يمكن السيطرة عليه، لأنه سيكون شبيهاً بـ”المختبر” وبأن إدارته المستبدة ستوزع الخبز مع الأسلحة ومع ترياق الخضوع للنظام/ السلطة الجديدة”.