التجربة السويديَّة

اسرة ومجتمع 2022/06/24
...

غيداء البياتي

 من أغرب ما شاهدته في السويد يوم كنت فيها خلال العام 2009، أن رجلاً سويدياً يبلغ من العمر 95 عاما، ما زال يتمتع بذاكرة نشطة جدا وبحيوية بدنية كحيوية الشباب، وما زال يمارس رياضة ركوب الدراجة الهوائية، فهو يتأنق ويتعطر حين يذهب للتبضع من أحد المتاجر، وقيل لي إن هذا الرجل تزوج أكثر من مرة في حياته الطويلة جداً.
كنت حينها استغرب وأنا أسير بتكاسل في السنتر أي «وسط المدينة» بل أشعر بتثاقل قدمي عند السير لمسافات طويلة، كما رأيت امرأة سويدية الجنسية تتنقل على دراجة هوائية وقد ضفرت شعرها على النظام القديم دون أن تغطيه بوشاح غامق او أحمر كلون بنطالها الأنيق، كنت في كل مكان ومدينة أرى الكثير من السويديين بهذه الحيوية والنشاط ، بدءاً من هذا الشيخ «الحجي» كما يحلو للعراقيين مناداته وتلك الكهلة «الحجية بلهجتنا» بينما أشعر بداخلي بخيبة أمل لأني بعمر حفيدتهم ولا أملك طاقتهم الإيجابية تلك.
من باب الفضول ولمعرفة السر في تلك الحيوية والنشاط اللذين يتمتع بهما كبار السن بهذا البلد الهادئ جدا، سألت معلمتي في مدرسة تعلم اللغة السويدية عن سر ذلك؛ فكان الجواب يؤكد أن هذا يعود لطبيعة حياتهم وسلوكهم الغذائي المتوازن ما بين النباتي والحيواني فضلا عن عيشهم في بيئة ريفية بعيداً عن مشكلات المدينة من تلوث ونمط العلاقات الاجتماعية المعقدة! هذا وابلغتني أنهم يستنشقون الهواء الطلق المملوء بالأوكسجين، فهم يسيرون لمسافات طويلة ويتمتعون بالنظر لجمال الطبيعة والأشجار الخضراء العالية ومتغيرات المناخ.
أذكر حينها أني التزمت الصمت وتنفست الصعداء خشية أن تسألني مدرسة اللغة السويدية عن كبار السن في بلدي وتحرجني أمام زملائي من السوريين واللبنانيين والمغاربة الأصل من الموجودين معي في تلك المدرسة التي خصصتها دائرة الهجرة لتعليم اللغة السويدية لطالبي اللجوء وبعض المقيمين الجدد.
ففي العراق تتعرض شريحة المسنين لمختلف الأمراض الانتقالية والمزمنة، جراء وجود مشكلات اجتماعية واقتصادية، فضلا عن عدم وجود المساحات الخضراء والأشجار الكثيفة وذلك الهواء النقي، لا سيما أن حكومتنا أقرت أن من يبلغ الـ «60 « عاماً من عمره قد دخل مرحلة الشيخوخة وتتم احالته على التقاعد إذا كان موظفا، وتراه متعبا كهلا بالكاد يسير بترنح. 
المضحك المبكي أن صديقة لي جلست بجانبي أمس وأنا أقلب ألبوم الصور التي التقطتها في السويد وهي ترى جمال الطبيعة والمساحات الخضراء لتلك المدينة فتفاجأت بقولها وهي تتنهد «هذا الخضار جعلني أتمنى أن أكون خروفاً بتلك المدينة».