علي حسن الفواز
تعني الديمقراطيَّة دائماً سيادة الفكرة المدنيَّة، وشيوع مفاهيم الحرية والحداثة، وهذا المعنى يمنحها سلطة رمزية، مثلما يضعها في سياق التوصيف القانوني لنظام الحكم، ولالتزاماته الأخلاقية والاجتماعية، ولمدى قدرته على قبول التنوع والتعدد، ولمواجهة أيّ نزوع نحو الحرب والتسلط، والعنف وإقصاء الآخر، لاسيما أنَّ معاهدة وتسفاليا في القرن السابع عشر قد ألغت فكرة الحروب في أوروبا، ونقلت حروبها إلى القارات الأخرى تحت يافطات التبشير والاحتلال والاستشراق..
ما يجري الآن في الغرب من تغويلٍ مفرط للعسكرة ولنُذر الحرب، يضع قيم الديمقراطية والحياة المدنية على المحكّ، إذ بات خطاب العنف والتطرف والتسلّح هو الأكثر أثرة، وصولاً إلى المجاهرة بالدعوات العلنية للاستعداد لحرب مقبلة، وكأنَّ ما يجري في أوكرانيا ومواقف الغرب المنحازة إليها هو تمرين على احتمالات تلك الحرب، واندفاع مهووس نحو عالم قد تتعسكر فيه كلّ الأشياء، بدءاً من الديمقراطية وحقوق الإنسان وصولاً إلى شكل الدولة المدنية، إذ سيخضع الجميع فيها إلى الشعار القديم "كلُّ شيءٍ من أجل المعركة" وأحسب أنَّ ما قامت به جمهورية ليتوانيا من إجراءات منعت بموجبها مرور القطارات الروسية في أراضيها نحو مدينة كالينينغراد الروسية سيكون الشرارة، فالروس يهددون بتبعات خطيرة، وبإجراءات حادة، والليتوانيون يقولون إنهم يُطبقون عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا..
ما بين هذا وذاك قد تفرض روسيا حلاً عسكرياً، وبالتالي ستستفز الغرب للردّ العسكري، وهكذا تختلط الأوراق، ويتم إعلان الطوارئ، وتعطيل القوانين والحقوق، ووضع العالم أمام رعبٍ نووي تضيق فيه الحلول والخيارات، وتكون الرهانات مفتوحة على الخيارات العسكرية.
العقدة الليتوانية هي لعبة الغرب الجديدة في تضييق الخناق على روسيا، وجرّها نحو حربٍ مجاورة، ولإيجاد المسوغات التي ستضعها أمام حلول صعبة، إذ إنَّ نجاح الغرب في ذلك، سيدفع دولاً أخرى للإعلان عن "حرب الجغرافيا" حيث تكون ممرات اليابسة والماء هي الميدان الذي تحدث عنه الفيلسوف الروسي السكندر غودين، بوصفه فضاء الحرب الجديد، والخيار الذي سيلجأ إليه الغرب بحثاً عن هزيمة روسيا في حربها الجيوبوليتكية..