أحمد عبد الحسين
من العجائب أن الساسة يتعاطون مع الانسداد الذي هم فيه تعاطيهم مع كارثة طبيعيّة. المأزق حتى الآن يشبه لديهم الزلزال أو العاصفة، كلاهما أمرٌ لم نصنعه نحن وليس بمقدورنا دفعه. نعم، العملية السياسية العراقية منطقة منكوبة، وينبغي العمل فيها الآن وفقاً لمبدأ إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنّ هذه النكبة لم تأتِ عفواً، هي من فعل فاعل، بل فاعلين كثر. والفاعلون هم الساسة أنفسهم لا غيرهم.
للخطيئة عواقبها. وكلما كبرت أخطاؤنا كبرت معها العواقب، ويحدث، في غمرة التذاذنا بالخطيئة وانغماسنا في صراع التكاثر مع خطّائين آخرين، أن ننسى هذه الحقيقة إلى أن نجد أنفسنا وجهاً لوجه في عين الكارثة. ألا يقال إن طريق جهنّم معبّدة باللذات؟.
كلّ ما يحدث من إرباك سياسيّ بلغ اليوم حدّ السوريالية والفكاهة السوداء، صنعناه بأيدينا ببطءٍ وتفكيرٍ عميق وبقدرٍ كبير من المتعة التي تأتي بها الأموال السائبة بلا رقيب؛ والجاه والسلطة والقوّة في حدّها الأرذل، أعني قوّة السلاح في يد أناس خائفين من أن تأتي صدفة وتزيل ما أتتْ به الصدفة.
الانغماس في اللذة يعمي ويصمّ. صنع الساسة عالماً مغلقاً يخصهم وحدهم، مكانياً ونفسياً. المكان كانت حدوده المنطقة الخضراء وبيوتهم المسيجة بحرس شديد، وعالمهم النفسيّ هو هذا التسابق بينهم على مراكمة الثروات وابتكار الحيل لتحصيلها وإنشاء شبكة علاقات للحفاظ عليها وزيادتها. وكلّ هذا من شأنه أن يجعل الإنسان في غيبوبة متواصلة لا عن الناس وهمومهم فقط بل عن نفسه وعن عواقب أفعاله كذلك.
يعلّمنا التاريخ أن الانتفاضات والثورات في العالم إنما تحدث عادة لإيقاظ الساسة الغائبين عن الوعي وتنبيههم. والعراقيون لم يقصروا أبداً في محاولات إيقاظ النائم، لكنّ أثر المخدر كان أقوى على من شرب الحياة بجرعات كبيرة.
ومن العجائب أيضاً أنّهم يريدون اليوم أن يصححوا الأمر بذات الأخطاء والخطايا القديمة، بالعودة إلى ذات السياقات التي تبقي كلّ شيء على حاله محاصصةً وتقاسماً للسلطات والأموال والمناصب ثم عودة إلى فردوس الغيبوبة الآمن.
ما أحكمها وأبلغها مقولة أمير البيان عليّ بن أبي طالب: "أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي، كناقش الشوكة بالشوكة".
هذا الذي يريد إخراج الشوكة من جسده بإدخال شوكة أخرى، سيُتعب الأطباء ويهلك نفسه.