علي حسن الفواز
قد تكون زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن للمنطقةِ العربيةِ عابرةً للسياسة حقاً، لأنّها ستضع الجميع أمام معطياتٍ يختلط فيها الأمني بالسياسي والاقتصادي والجغرافي، مثلما ستكون تحريضاً على وضع خارطةِ طريقٍ لـ"ناتو" عربي، مفتوحٍ على طريقة الناتو الغربي، يستجمعُ الجيوشَ والأسلحة، ويؤسس خطابه على صناعةِ فكرة العدو الافتراضي، وعلى توسيع مديات أسواق الطاقةٍ لتعزيز سياسةِ مواجهة الحرمان الذي ستعانيه أوروبا بعد قطع واردات الغاز الروسي عنها.
هذه الزيارة ليستْ بعيدة عن لعبة الكبار، الذي يتوهمون دائماً بحكم العالم، وأنهم يملكون الحق الطبقي والجيوسياسي وحتى "الاستشراقي" في عسكرة الجغرافيا، وفي تحويل اقتصاديات النفط إلى مخازن لشراء الأسلحة، ولقطع الطريق على أيّ توافقٍ يمكن أن يتمخض من التحالفات الدولية والإقليمية التي تشارك فيها روسيا والصين، مثل بريكس وشنغهاي وقزوين، وعلى نحوٍ يمنع تحولها إلى أسواق مفتوحة تُهدد المصالح الأميركية، وتُخفف العبء عن العقوبات المفروضة على روسيا..
مؤتمر الناتو الأخير في مدريد سيُعطي لهذه الزيارة زخماً كبيراً، وستكون الحسابات العسكرية حاضرة، بعيداً عن طبيعة الحسابات الأخرى التي يمكن أن تتعرّض لها دول المنطقة، والتي ستحوّلها إلى ساحة حرب مفتوحة، لاسيما مع التعقيدات التي مازالت ترافق معالجة الملف النووي الإيراني، والتعاطي معه بواقعية تُراعي مخاوف إيران الإقليمية، وحقوقها الأمنية والاقتصادية، فضلاً عن ما تحمله الزيارة من حسابات نفسية، يمكن أنْ يتخفف فيها الموقف الأميركي من المملكة العربية السعودية، ووالدفع باتجاه إعادة النظر بمواقف بعض دول الخليج من أزمة الصراع في أوكرانيا، وحتى إعادة النظر بالعلاقة مع الصين، ومع رهاناتها الاقتصادية الكبرى عبر أسواقها، أو عبر طريق الحرير أو غيره.
البحث عن النجاح هو رهان الرئيس بايدن، لاسيما قبل الانتخابات البرلمانية "النصفية" في أميركا، وفي إيجاد وسائل ضغط أخرى لمواجهة أزمات الطاقة والغذاء والتضخم، والآخذة بالتصاعد، والتي قد تكون سبباً في تقويض شعبيته، وفي إحداث هزات سياسية كبرى، وربما موجة كساد عالمية كالتي عاشها الغرب وأميركا في بدايات القرن الماضي.