حكمة الزعيم سياتل

العراق 2022/07/07
...

أحمد عبد الحسين
يحتاج الإنسان إلى الوهم احتياجَه إلى الحقيقة، بل ربما كانتْ حاجتُه إلى الوهم أكثرَ ضغطاً عليه، إنها هي التي تسيّره وترسم مصيره. وقول ابن عربيّ "الوهم هو السلطان الأعظم" يكشف عن معرفة دقيقة بالنفس الإنسانية.
الوهم باعثٌ ومحرّض على أغلب أفعال البشر. حتى نشدان الحقيقة يمرّ عبر التوهّم لا سواه، كما في قول زين العابدين السجّاد "ع" في مناجاة العارفين: "وما أحلى المسير إليك بالأوهام في مسالك الغيوب"!
لكنّ هذا التعطّش الغريب إلى الوهم، كان على الدوام الثغرة التي ينفذ منها لصوص عباقرة إلى عالمك ويمنحونك جرعة كبيرة من الوهم لسرقة ما بقي من حقيقتك. يعطونك الفكرة ويأخذون "الأشياء"، يجعلون وهمك هويتك الوحيدة ويستأثرون هم بالمسكوكات.
حين قدم الغزاة الأوروبيون إلى أرض الهنود الحمر ليستولوا عليها، جاؤوا محمّلين بأداة أمضى من السيوف والبنادق، أتوا بالوهم الأعظم، بالخدعة التي تجعل المقدّس "الله" سبباً لسرقة ذهب الهنود وأرضهم وتصفيتهم جسدياً عن بكرة أبيهم. يومها خطب بهم "سياتل" زعيم هنود "دواميش": هذه خدعة. نحن مستعدون لأن نتحارب على الأرض وما تنتجه وما فيها لكننا أبداً لن نتقاتل حول الله!
حكمة سياتل ذهبت أدراج الرياح، لأن السلاح قال كلمته وأبيدتْ أمم كاملة، غير  أن استثمار الوهم ظلّ سلاحاً فعالاً مجرباً من قبل الساسة العباقرة في كل زمان ومكان. يوهمونك أنك مجرد هويّة لا أكثر، أنك فرد في مكوّن "شيعي، سنّي، كردي الخ" ويجعلونك تصارع حتى الموت رجالَ الهويات الأخرى، بينما يستأثر اللصوص بالذهب.
الهويّة ليست الإنسان، والإنسان ليس هويته، بدلالة أن الاسم ليس المسمّى دائماً، لكنّ هذه الهوية التي صارتْ ثغرتك وجرحك السريّ، عرف اللصوصُ العباقرة كيف يطلّون منها ليجعلوك لاهياً عنهم وعن مسكوكاتهم وحساباتهم المصرفيّة. إنهم في الحقيقة منحوك هذا اللاشيء تتلهى به في أوقات فراغك، ستظلّ تقاتل دفاعاً عنه إلى أن تغمض عينيك ويأخذوا كلّ شيء.
الزعيم سياتل كان يعرف أنه ليس هويّة وأن قومه الذين من لحم ودم ليسوا مكوّناً من ضمن مكوّنات، وأن قتالهم يجب أن يخاض على الموجودات لا على الهويّات وأنّ الهوية خدعة محكمة لإتمام السرقة.
الزعيم العظيم "سياتل" كان يعلم. لكن قومه لا يعلمون. ونحن قومه!