عبد الهادي مهودر
نعيش في هذا العالم كمراقبين أو مشاهدين للصور والاكتشافات العلمية العظيمة ومستهلكين ومعلقين من الدرجة الأولى ومنطقتنا العربية تسجل أعلى مستوى للبطالة في العالم، تنقصنا المبادرة مثل بقية دول العالم الثالث التي تأخذ من العالم المتقدم كل شيء، من إبرة الخيط إلى تكنولوجيا الاتصالات وفنون البناء والعمارة وهندسة الطرق، وإذا أخذوا منا هندسة هرم أو ملوية ووضعوها في واجهة مبنى أوروبي قلبنا الدنيا عاليها سافلها، مع أن الحياة هي أخذ وعطاء وتبادل للعلوم والمعارف، والقاعدة التي يبنى عليها العيش المشترك فوق هذه البسيطة لخصها شاعرنا أبو العلاء المعري بقوله (الناس للناس من بدوٍ ومن حضرِ بعضٌ لبعض وإن لم يشعروا خدمُ) ويلخصها المواطن العراقي بمفردة (خادم) كتعبير عن تقديم الخدمة برضا وطيب خاطر، وفي أسبوع العيد الصاخب كان يمكن للتهاني أن تستمر حتى نهاية العطلة لولا وكالة ناسا الفضائية وصور تلسكوب جيمس ويب، فقد توقف العالم عند هذه اللحظة وتصاغرت أحجامنا وشعرنا بأنها لا ترى حتى بالمجهر في هذا الكون اللامتناهي، وما النزاعات إلا مهازل ننتصر فيها على فرص الحياة التي تخدم البشرية، وتمنينا لو تسخر الدول الكبرى كل قدراتها لاكتشاف أسرار الكون لرأينا فتوحات عظيمة أفضل مليار مرة من تدمير الأرض والإنسان بالحروب والمغامرات، ولعلنا نحن العراقيين أحوج من غيرنا إلى الكف عن تضييع الفرص في ما لا يستحق والتفكير بالمستقبل، نحن الذين أعرنا الكون بهجته، ليتنا نحدد وجهتنا إلى أين وماذا نريد بالضبط؟ وليت المتفاوضين استعانوا بتلسكوب جيمس ويب لفتح الانسداد السياسي، فقد شغلتنا صور الكون المضيئة عن تطورات كوكب العراق المنقسم حول الملكية والجمهورية حتى أصبحنا نتمنى أن يأتي شهر آب ليخلصنا من جدلنا التموزي المتجدد، وخيراً فعلت وكالة ناسا بعرض صور الكون في هذا التوقيت الذي كان بمثابة هدية للعراقيين لتغيير مزاجهم والخوض في قضايا الفلك بعيداً عن فلكنا ولو لبضعة أيام، حتى إن أحد الأصدقاء رفض استخدام مفردة تلسكوب واختار بدلا عنها مفردة مرقاب، تماشياً مع ثورة التعريب التي بدأناها بعد عصر الاختراعات والثورة الصناعية باكتشاف الكلمات وتوليدها من بطون المعاجم والقواميس، على شاكلة قل فأرةً ولا تقل ماوساً وقل مرقاباً ولا تقل تلسكوباً، وقل (جويسم) ولا تقل جيمس ويب، و رحم الله العلامة المرحوم مصطفى جواد الذي ترافقت خفة ظله مع برنامجه الشهير، ففي أحد الأيام وبينما كان في طريقه إلى الجامعة وراديو السيارة أو المذياع يبث برنامجه (قل ولا تقل) ومن شدة الحر انزعج السائق وأغلق الراديو وصاح بلهجة بغدادية (اسكت تنكه ابن التنكه) ولم يعرف أن مقدم البرنامج جالس بجانبه، فرد عليه مصطفى جواد بكل أدب: عزيزي السائق قل صفيحة ولا تقل تنكة.