الحزام والمنطقة

الصفحة الاخيرة 2022/07/20
...

حسن العاني
صحيح أنني أمتلك منذ عدة عقود هوية نقابة الصحفيين، وهوية اتحاد الأدباء وهوية الرعاية الاجتماعية، وصحيح أن مثل هذه الهويات ترفعني من خانة الجهل إلى منزلة الثقافة، ولكن المشكلة تكمن في الأمية الحضارية التي أعاني منها، وآية ذلك أنني أجهل كل شيء من حولي تقريباً، وأتحاشى التعامل مع معطيات الحضارة الحديثة لأنها تجري بسرعة تفوق قدرتي على اللحاق بها.
الأمثلة كثيرة، ولا تتعلق فقط بالمستجدات (الحداثوية والشعبوية)، كالمصطلحات والأنترنت والهاترك والنصف + واحد وقصيدة النثر والتفكيكية والسيسيولوجيا والثقوب السود والضربة الحرة المباشرة والتداول السلمي للسلطة.. الخ، بل تتعداها إلى المخترعات والمكتشفات المذهلة التي يتعذر فهمها أو هضمها.. ياه.. أمور يشيب لها رأس الرضيع، وكذاب ابن كذابة من يزعم انه يستطيع أدراك هذه البلاوي مجتمعة!
من باب الاختصار لما يحدث من تطورات سأختزل الموضوع بمفردة (حزام) على سبيل المثال، فحين نسمعها لا تنصرف اذهاننا إلى أبعد من الحزام المتعارف عليه حول الخصر وذلك لربط الملابس.. ولكن الحالة لم تعد كذلك، ففي الرياضة ظهر (الحزام الأسود)، الذي يمثل درجة في البطولة الرياضية من بين درجات أو مرتبات أخرى، وربما نحتاج إلى ساعة زمنية لكي ندرك معناه و.. وتقودنا هذه المفردة إلى القول الشعبي المعروف (فلان.. حزام ظهري)، ويراد به الشخص الذي نعتمد عليه في المهمات والملمات، ويمنحنا القوة التي تأتي من قوة الظهر، مع أن المعنى هنا أبعد من هذا المعنى المباشر.. الخ، وقد نحتاج إلى أكثر من ساعة زمنية لفهم المقصود.
هناك الحزام الأخضر الذي يقال إنه – لو كان موجوداً – يجنب الناس متاعب الغبار والعواصف الرملية والترابية والاختناق وضيق التنفس ودمار الشوارع والمنازل و... ويقال إنه مشروع تم طرحه في ستينات القرن الماضي، وإنه لا يكلف خزينة الدولة مبلغاً يستحق الذكر، كما يقال بأن الحكومات العراقية منذ قيام النظام الجمهوري لم تعترف به ولم تلتفت إليه..
الشيء بالشيء يذكر، فالحزام الأخضر هو شقيق المنطقة الخضراء، التي تنعم بالماء والخضرة والهواء العليل، وتخشى حتى العواصف الرملية من الوصول إليها، والفرق الوحيد بين (الحزام الاخضر والمنطقة الخضراء)، إن الحزام يخص الشعب، والمنطقة تخص الحكومة!.