العقل الإصلاحي

الصفحة الاخيرة 2022/07/22
...

جواد علي كسار
تقع الإصلاحيَّة في مقابل الانقلابية والتغييرية؛ وحين يكون الفكر متعلّق الإصلاح نكون أمام إصلاحية فكرية، أما عندما يكون المجتمع هو المتعلق، فسنكون أمام إصلاحية اجتماعية.
إذا أخذنا العالم العربي والإسلامي كمجال للإصلاح الفكري والاجتماعي، فسيأخذ هذا المسار بأيدينا إلى عدد من المحاولات الريادية، في توثيق بدايات الإصلاح وحلقاته التأسيسية في هذه الرقعة من العالم، باتجاهاته الكبرى ورموزه الأشهر؛ منها عمل أحمد أمين في كتابه: «زعماء الإصلاح في العصر الحديث»، وكتاب هشام شرابي: «المثقفون العرب والغرب»، وكتاب آلبرت حوراني: «الفكر العربي في عصر النهضة»، وعلي المحافظة: «الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة»، وعلي أومليل: «الإصلاحية العربية والدولة الوطنية»، ومرتضى مطهري: «الحركات الإسلامية في القرن الرابع عشر الهجري»، ومحمد الحداد: «حفريات تأويلية في الخطاب الإصلاحي العربي».
هذه هي الحصيلة التي يضعها بين أيدينا كتاب: «نقد العقل الإصلاحي: قراءات في جدليات الفكر العراقي الحديث» في رصد البارز من المدوّنات التي أرّخت للحركة الإصلاحية في العالم العربي والإسلامي. وقد لاحظ مؤلف الكتاب عن حقّ، كما سبقه إلى ذلك كثيرون، بأن هذه المدوّنات تُجمع قولاً واحداً على إهمال أيّ إشارة لحركة الإصلاح الفكري والاجتماعي في العراق، ومن ثمّ تغييب رموزها وأفكارهم وكتاباتهم ومواقفهم على نحوٍ مطلق، برغم كثافة مشاركة العراقيين في تيار الإصلاحية على مدار قرنين من الآن!
يعزو المؤلف هذا الإهمال أو ما يسميه التغييب، إلى أسباب شائكة ومعقّدة، منها ما هو ثقافي ومعرفي، وسياسي مؤدلج، ليعمل على سدّ هذه الثغرة في بقيّة صفحات كتابه، وهو يستعرض جهود رموز كبرى في الإصلاحية العراقية، منهم جعفر كاشف الغطاء وجميل صدقي الزهاوي ومحمد مهدي البصير وعلي الوردي والكثير غيرهم. لكن على خطّ موازٍ يفتح الكتاب نافذة على مدينة النجف الأشرف، ليكشف بالأرقام والنصوص أن الحركة الإصلاحية في هذه الحاضرة، لم يقتصر دورها على ردم الفجوة التي تركتها الدراسات العربية عن الحركة الإصلاحية في العراق، بل هي بكثافة رموزها وثراء أفكارهم ورؤاهم ومشاركاتهم، تأتي في طليعة مدن الإصلاح (كما يسميها) على محور طنجة ـ جاكارتا بحسب المصطلح المشهور لمالك بن نبي.
أردتُ لهذه الكلمات أن تكون بيان تكريم لمؤلف الكتاب الباحث العراقي الرصين سليم محمد رسول الذي رحل عنّا على مشارف عطلة العيد؛ بيان مشوب بالاعتذار عن تقصير أخلاقي شخصي ونوعي أعيشه مع هذا المفكر، الذي غادرنا إلى ربه وسط عزلة كبيرة من الفاقة والمعاناة والمرض!.