خادمُ السيّدين

العراق 2022/07/23
...

أحمد عبد الحسين
أيام كنّا معارضين لصدام كانتْ أحزاب المعارضة وكياناتها الكثيرة، العلمانية والإسلامية والبين بين، تقيم مضطرةً في دولٍ قريبة أو بعيدة، وكان المكانُ والتمويلُ يفرضان على هؤلاء المعارضين خطاباً محدداً قد لا يستسيغونه لكنْ في آخر الأمر، كان الجميع يعرف أنَّ هذه الدول التي تضيّف المعارضين ليستْ فنادق مجانية.
صرتُ معارضاً وتغربتُ وأنا صبيٌّ، ومنذ نهاية الثمانينيات إلى أن عدتُ وأنا كهل مع سقوط الدكتاتور، رأيتُ أنّ ما لم يكن المعارضون يستسيغونه أول الأمر أصبح مع مرور الوقت مستساغاً، وشيئاً فشيئاً أصبح عُرفاً، ولم يعد ممكناً أن تقول "معارضة عراقية" وتضع نقطة لتنهي الجملة، كانت هناك معارضة عراقيةـ إيرانية، ومعارضة عراقيةـ سورية، ومعارضة عراقيةـ أميركية، ومعارضة عراقيةـ سعودية. وأصبحت لدينا معارضات عراقية بعدد المنافي.
تربّت المعارضةُـ مكرهةـ على ألا يكون اسم العراق مفرداً في خطابها وتوجهها، تعمل وجزء كبير من جهدها مشدود إلى إرضاء الدولة التي تدعم وتوفّر المأوى. ومن هناك، من تلك اللحظة بدأتْ مأساتنا.
العمل المعارض نبيلٌ وفيه كمّ وافر من الجهاد والمشقّة، والنأي عن الوطن مضنٍ، والنوايا بأغلبها كانتْ سليمة، لكنّ تفصيلاً بدا وقتها هامشياً أصبح حجر الزاوية، كان إرضاء الدول الأخرى تكتيكاً فصار هو القاعدة، وكانت إضافة اسم دولة أخرى مع العراق أمراً مؤقتاً فأصبح هو السائد، وكان ضمان مصالح الآخرين اضطراراً فصار خطة عمل.
كثير من المعارضين الذين صار لهم الحكم، أتوا إلى بغداد بعد أن تطبّعوا على هذه "الثقافة" وظلوا يتعاطون مع بعضهم البعض بهذا العرف الذي لم يجدوه مستنكراً أو غريباً، ظلوا يتصرفون بوصفهم معارضين، بالروحية التي كانوا عليها ولم يستطيعوا التخلّص من ازدواج الاسم في جوازات سفرهم ولا في خطاباتهم.
نحن نكره الوضوح، ونمقت الواضحين، وما أن نرى أحداً يتكلم بقدر عالٍ من الوضوح حتى نتخذه عدوّاً، ولذا فإنَّ هذا الحديث سيبدو مستغرباً وغير مستساغ.
لكنَّ مأساتنا من هناك بدأت. من تلك اللحظة التي وضعنا فيها مع العراق أسماء أخرى فلم نقدر أن نحبّه أو نجعل منه دولة.
مكتوب في الإنجيل "لا يقدر أحدٌ أن يخدم سيدينِ لأنه إما أن يبغض الواحد ويحبّ الآخرَ أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال".