رضا المحمداوي
بعد إتمام عملية إغلاق المقبرة الجماعية للأفلام الروائية والوثائقية السينمائية التي أنتجتْها دائرة السينما والمسرح في وزارة الثقافة العراقية ضمن فعالية بغداد عاصمة الثقافة عام 2013، دخلتْ السينما العراقية في سبات عميق وطويل امتد لسنوات طويلة، خلاله ظَلَّ صانعو تلك السينما المنتظرة ومخرجوها وكُتّابها ومؤلفوها يحلمون بها، وداعبتْ مخيلتهم الأمنيات بتحقيق وإنجاز أفلام عراقية تدشّن مرحلة سينمائية جديدة بمواصفات فكرية وفنية وبأسماء وشخصيات سينمائية شابة فتية تضخ الدماء النقية المتدفقة في الشرايين المتكلسة لتلك السينما التي نحلمُ بها، مستفيدة ً في الوقت نفسه من أخطاء وهفوات الإنتاج العشوائي والابتعاد عن الفساد الثقافي الكبير الذي حالَ دونَ عرض مجموعة أفلام ذلك المشروع الثقافي الذي صُرِفَتْ عليها مليارات الدنانير، لكن يبدو أن السينما العراقية الجديدة التي يفترض بها أن تتواصل مع التاريخ العريق للسينما العراقية منذ أن تم عرض أول فيلم سينمائي عراقي (عليا وعصام) للمخرج أندريه شاتان يوم 12/ آذار/1949... والتي نحلمُ بها ونعقد عليها الآمال، ونرجو مشاهدتها على الشاشة البيضاء في صالات السينما العراقية سيطول انتظارنا لها حتى نرى بواكير أو بوادر ملامحها الفنية وخصائصها الفكرية العامة مجسدة ًعلى الشاشة البيضاء كواقع سينمائي يحملهُ خطاب جمالي وبهوية وبصمة عراقية مميزة.
وحسناً فَعَلَتْ دائرة السينما والمسرح هذا العام بعد تخلصها من(فوبيا) الإنتاج وعقدته المستحكمة، بإقامة أيام عيد السينما العراقية اعتماداً على تاريخ 22/ حزيران/1955 حينما عُرِضَ فيلم (فتنة وحسن) للمخرج حيدر العمر في صالة سينما(الهلال ) و(الحمراء) في بغداد، متجاهلةً ذكرى أو مناسبة أو تاريخ عرض أول فيلم عراقي والذي أشرتُ إليه آنفاً.
ما يُحسبُ لهذه الفعالية السينمائية أنها قد تدشن مرحلة جديدة من الإنتاج السينمائي متجاوزةً جميع الإشكالات والتحفظات السابقة وقد تكون أيضاً فرصة مناسبة للإعلان عن البدء في خط شروع جديد لتحريك عجلة السينما العراقية ودفعها إلى الأمام بواسطة نتاجات سينمائية جديدة، وطموحة تاركة ً وراءها كل حالات الاخفاق والاحباط التي مرَّتْ بها في السابق، وتطمح في الوقت نفسه لرسم ملامح جديدة للسينما العراقية في المستقبل القريب وليس ذلك بالأمر الصعب أو المستحيل على الطاقات والمواهب والإمكانيات الشبابية الجديدة التي أثبتتْ جدارتها بتحمل هذه المسؤولية الثقافية- الفنية من خلال إنجازاتها الفنية التي تحققتْ وحتى وإن كانت هذه الأفلام تخضع للعديد من الآراء ووجهات النظر المختلفة حول المستوى الفني العام لها والقدرات الإخراجية لصانعيها، لكنني شخصياً أعوّلُ كثيراً على قوة الطموح وطاقة المثابرة لدى هذه المواهب والطاقات الفنية.
بدأتْ أيام السينما العراقية بعرض خمسة أفلام جديدة في أمسية الافتتاح يوم 22/ حزيران/2022 في صالة المسرح الوطني وأعقبها عرض 12 فيلماً في جلسة اليوم الثاني.
وأهم مميزات وخصائص هذه الأفلام الجديدة أنها تندرج تحت يافطة أو نمط ما يعرفُ عادةً بـ (الأفلام القصيرة)بأنواعها الروائية والوثائقية وأفلام التحريك(الانيميشن) إذ لمْ يتجاوز أطول فيلم فيها حدود الـ 30 دقيقة، كما افتقدت هذه الأفلام (ولا سيّما الروائية القصيرة) من جانب آخر للهوية السينمائية المميزة من حيث البناء الدرامي المحكم والمعالجة الدرامية الناضجة، وكتابة السيناريو الذي يحافظ على الفكرة من التشتت والضياع، والرؤية الإخراجية الواضحة، فضلاً عن افتقارها الشديد لجماليات الصورة السينمائية التقليدية المعروفة من حيث التصوير والإضاءة وحركة الكاميرا مع شيوع الألوان الباهتة وعدم نصاعة الصورة وتوهجها السينمائي الباهر وربما يعود السبب إلى أن بعضها يعود إلى أصول ومواد تلفزيونية.
موضوعة الإرهاب وتصدي القوات العسكرية بجميع صنوفها للعصابات الإرهابية كانت حاضرةً، لكن التعامل المباشر غير الناضج وشيوع النبرة الإعلامية في التعامل مع أفكارهِ هي الصفة الأبرز، في حين أن بعض تلك الأفلام كانت أقرب إلى الروح الفتية التجريبية التي تجسّدها أفلام أطروحات التخرج لطلبة كليات ومعاهد الفنون، وباختصار شديد أن نماذج الأفلام التي تم عرضها في عيد السينما كانت تفتقر إلى المتعة السينمائية الحقة، كما أنها لم تشتغل على التعاطف والتجاذب الوجداني مع موضوعاتها وشخصياتها ومعالجتها الفنية.
وإزاء هذه النماذج التي يفترض بها أن تكون(أفلاماً سينمائية)بالشكل والجوهر السينمائي المتعارف عليه عالمياً، وخصوصاً في نمط أو نوع الأفلام الروائية القصيرة بما يفرضهُ هذا النوع من كثافة وإيجاز ناضج في الطرح، وعمق في تناول الأفكار، وتمكن ونضج في الرؤية الإخراجية، إزاء كل هذا يمكن طرح التساؤل الصادم عن هذه الأعمال: هل هي أفلام تنتمي بمجموعها إلى عالم السينما أَمْ أن بعضها عبارة عن تمثيليات أو مواد تلفزيونية قصيرة انتحلت الصفة أو الهوية السينمائية؟
والسؤال الصعب: هل هذه حقاً هي السينما العراقية؟