تونس: وكالات
اتهم الرئيس التونسي، قيس سعيّد، أطرافاً لم يسمِّها باختلاق الأزمات وصرف أنظار الشعب عن القضايا الحقيقيَّة، متوعداً إياهم بـ"محاكمة عادلة"، وقال سعيّد في كلمة له خلال توجهه إلى مركز الاقتراع (للاستفتاء على الدستور الجديد) بالعاصمة تونس امس الاثنين: "إنهم يختلقون الأزمات، والهدف هو ألا نهتم بالشأن والقضايا الحقيقية، ويعتقدون أنهم بمنأى عن المحاسبة والمحاكمات العادلة، حتى تعود الأموال المنهوبة من الخارج".
وأضاف، "سنبني معاً بسواعدنا وأفكارنا جمهورية جديدة تقوم على الحرية الحقيقية والعدل الحقيقي والكرامة الوطنية"، وتابع، "سنبدأ معاً تاريخاً جديداً يقوم على مسؤولية المسؤول أمام الشعب الذي اختاره، لا أن نشاهد ما شاهدناه في البرلمان.. كانت كل يوم تتشكل كتل جديدة، بل أحزاب لم تكن موجودة أبداً".
وأردف سعيّد، "الشعب مطالب اليوم بأن يحسم الأمر ويصوت لما هو حر في اختياره، ولا يجب أن نترك تونس فريسة لمن يترصد لها بالداخل والخارج" على حد تعبيره.
وفتحت أمس الاثنين صناديق الاقتراع أبوابها أمام نحو 9 ملايين تونسي، للتصويت على مشروع دستور جديد اقترحه سعيّد، ويجرى الاقتراع في ظل انقسام حاد بين مؤيدي المسار الجديد ومعارضيه، ويبلغ عدد المسجلين للاستفتاء 9 ملايين و296 ألفاً و64 شخصاً، بحسب إحصاءات الهيئة العليا للانتخابات في تونس.
وبلغ إجمالي مراكز الاقتراع في تونس 11 ألفاً و614 مكتب اقتراع منها 4 آلاف و832 مركزاً في الخارج، فيما يبلغ عدد أعضاء المراكز التابعين للهيئة 62 ألفاً و802.
وتشكل الدعوة التي وجهها الرئيس التونسي قيس سعيّد للمشاركة بالاستفتاء، جزءاً من مسار دخلته البلاد قبل عام من خلال إجراءات استثنائية بدأ سعيّد فرضها في 25 تموز 2021، أبرزها إقالة الحكومة وتعيين أخرى، وحل البرلمان ومجلس القضاء، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وتبكير الانتخابات البرلمانية إلى 17 كانون الأول المقبل.
ورغم الجدل القائم، فإنَّ متابعين للوضع في تونس، يرجحون أن تكون نتائج الاستفتاء لصالح اعتماد الدستور الجديد المقترح من قبل سعيّد وبدء العمل به.
وقد أثارت هذه التعديلات جدلاً كبيراً في صفوف المواطنين والأحزاب. إذ يرى البعض أنه لا يضمن الحريات الفردية والجماعية، وأنه يضمن فقط صلاحيات أوسع وأشمل لرئيس الجمهورية. وأقر الخبراء أنَّ هناك نقاط اختلاف متباينة وواضحة بين دستور 2022 ودستور 2014.
ومن أهم النقاط التي نص عليها الدستور الجديد: يتمثل التغيير الكبير الذي حصل على الدستور، في إقرار واضح لنظام رئاسي، ولم تعد للرئيس فيه صلاحيات الدفاع والخارجية فحسب كما نص عليها دستور 2014، بل توسعت لتشمل أبعد من ذلك اختصاصات تعيين الحكومة والقضاة وتقليص النفوذ السابق للبرلمان.
كما أصبح لرئيس الجمهورية حق تعيين رئيس الحكومة وبقية أعضائها باقتراح من رئيس الحكومة، كما يُخوّل له الدستور إقالتها دون أن يكون للبرلمان دور في ذلك. وللرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، صلاحيات ضبط السياسة العامة للدولة ويُحدد اختياراتها الأساسية. ولمشاريعه القانونية "أولوية النظر" من جانب نواب البرلمان.
فضلاً عن ذلك، انقسمت الوظيفة التشريعية بين "مجلس نواب الشعب" الذي ينتخب نوّابه باقتراع مباشر لمدّة خمس سنوات و"المجلس الوطنيّ للجهات"، ويضمّ ممثّلين منتخبين عن كلّ منطقة، على أن يصدر لاحقاً قانون يُحدّد مهمّاته.
إلى ذلك، يقبل الرئيس استقالة الحكومة إثر تقديم لائحة لوم مُصادق عليها بغالبيّة الثلثين للمجلسين مجتمعين، وهذا من الصعب تحقيقه ويفسح له المجال ليكون المقرّر الأول لمصير أيّ حكومة.
ولم يتضمن الدستور المقترح للاستفتاء اليوم بنوداً لإقالة الرئيس، خلافاً لما جاء في دستور العام 2014، في حين أنه يمنح له بالمقابل الحقّ في حلّ البرلمان والمجلس الوطني للجهات، ويعين الرئيس القضاة إثر تقديم ترشّحاتهم من جانب المجلس الأعلى للقضاء، ما اعتبره قضاة "تدخّلاً في استقلال القضاء".
ومن بين الفصول التي تُثير جدلاً في تونس والتي تنتقدها بشدّة المنظّمات الحقوقيّة، ما يتعلّق بالبندين الخامس والخامس والخمسين، وينص الفصل الخامس على أنَّ "تونس جزء من الأمّة الإسلاميّة، وعلى الدولة وحدها أن تعمل، في ظلّ نظام ديمقراطي، على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدين والحرّية"، وكانت منظّمات حقوقية دوليّة انتقدت هذا الفصل، معتبرةً أنّه "يُتيح التمييز ضدّ الجماعات الدينيّة
الأخرى".
وحافظ سعيّد على "حرّية المعتقد والضمير" التي نصّ عليها دستور 2014، وينص الفصل الخامس والخمسون على أن "لا توضَع قيود على الحقوق والحرّيات المضمونة بهذا الدستور إلّا بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها نظام ديمقراطي وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العامّ أو الدفاع الوطني أو الصحّة العموميّة".
وأكدت أحزاب تعارض مشروع الدستور، أنَّ هذا الفصل يُتيح للسلطات مجالاً كبيراً للحدّ من الحرّيات، من دون رقابة.