حياة المشاهير المثاليَّة

الصفحة الاخيرة 2022/07/27
...

 بغداد: نوارة محمد
 
في جلسة تمتزج فيها روائح الماكياج مع العطور النسائية، كانت الفتيات قد اجتمعن من غير ميعاد مُسبق، وأخفت إحداهن هالات سوداء توسدت عينيها ورسمت أخرى وجنتيها بخطوط "الكونتور" لتبرز فكيها، لكن الضجر قد أصابهن وهن يتصفحن منصات التواصل الاجتماعي بين مئات المنشورات في "فيس بوك" وآلاف الحالات في "انستغرام" وهي تتجدد في عالم تحصد فيه صور النجمات آلاف "اللايكات" في غضون ثوان.
ويشهد العالم منافسة شديدة في تصوير حياة مثالية وتصدير الأحلام غير الواقعية، إذ أصبحت الأجسام المثالية والوجوه المفلترة وملامح المشاهير المصطنعة تُزعج الفتيات وتحطم أخريات ممن لا قدرة لهن على استيعاب كذبة حياتهم. 
الفتاة آية، التي هي أقلهن جرأة وأكثرهن إتزاناً، متصالحة مع سمرة وجهها وترفض التقاط سيلفي يوثق هذه الليلة بوضع "فلتر سناب جات" كما الأخريات، فتعبر عن انزعاجها وسوء مزاجهن، "ليس هناك بياض ناصع كالذي نراه في وجوه فاشينستات الجيل، فالنُدب علامة الوجوه الفارقة".  
نعم، ليس هناك أثر لهذه الحياة الوردية، ففي الواقع الافتراضي فقط، تذهب الفتاة لمراكز التجميل لتغير طلاء أظافرها خمس مرات في اليوم، وتختار إطلالاتها حسب مزاجها الأسطوري، كما تختار وجبات طعامها الصحي من أفخم المطاعم، وتبدأ صباحها بوجه صاف ولمعة عينين نادرة، وغالباً ما يشغل فكرها اختيار أي المنتجعات مناسبة لقضاء عطلة الأسبوع وأي تسريحة شعر ستعتمد!  
لقد برعوا بتصوير حياة وردية ومثالية ونسوا حجم مأساة هذا العالم. كيف ستقتنع الفتاة أن لون شعرها لا يشكل أي خطر على اقتصاد البلد، وأن حجم شفتيها لا يبعث الراحة في نفوسنا! 
مريم، 21 عاماً، طالبة جامعية، وهي من ضحايا عالم "الانستغرام"، فدوماً ما تندب حظها العاثر الذي دفعها لتراقب هؤلاء السعداء، إذ تقول "حين أتصفح الانستغرام وسناب جات أشعر بمرارة الواقع الذي أعيشه، ويسيطر الضجر عليّ، ويحيطني اليأس، فعندما أشاهد الوجوه والشفاه والأجساد الممتلئة، أفقد ثقتي بنفسي وأعجز عن فهم ما يدور أمامي".  
وتشير الدكتورة منى حمودة، وهي مختصة في الطب النفسي والعلاج السلوكي إلى أن حالات الإصابة بالاكتئاب والإقدام على الانتحار هي نتيجة التظاهر بحالة من الكمال في الحياة الواقعية، وتقول "أستقبل يومياً حالات مرضية متأزمة نفسياً بسبب ما يروجه مشاهير الجيل، إننا نواجه اليوم حالة من انعدام الثقة النفسية، وفقدان التوازن لدى الكثيرين ممن يراقبون سُعداء العالم وهم يتعرون تماماً من خصوصياتهم ويتصنعون المثالية". 
وفي وقت سابق عبر الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب بتغريدة له عن شعوره بالملل، ليثير ضجة غير معتادة فكيف لمن يسكن البيت الأبيض أن يشعر بالملل! نعم الشعور بالملل لا يستثني أحداً في هذا العالم، والشعور بالنجاح الدائم والإفلات من الحزن والاحباط ليس سوى كذبة يبثها التافهون ويصدقها 
الأغبياء.