اعتزال المطرب

الصفحة الاخيرة 2022/07/27
...

سامر المشعل 
هل يعتزل المطرب ويتوقف عن الغناء، عند حد معين؟ ومتى يقرر المطرب الاعتزال؟.
هذا السؤال الذي يتحاشاه الكثير من الفنانين، ينفتح على عدة إجابات، وقبل أن نخوض بتفاصيل هذا الموضوع، إن قرار اعتزال المطرب هو قرار شخصي يتخذه الفنان في لحظة تاريخية، ويضع خط النهاية لمسيرته الفنية.
أحيانا يأتي قرار الاعتزال بعيدا عن الجانب الفني، وقدرة الفنان على العطاء والإبداع، ربما يرجع إلى قناعات وتأثيرات اجتماعية أو عائلية أو توجهات فكرية أو عقائدية، تضطر الفنان إلى الاعتزال وهذا ما حصل مع الفنانة مائدة نزهت، والفنان فاضل عواد، والفنان قحطان العطار، والفنان فرج وهاب.. وغيرهم.
ما يهمنا بهذا الصدد، هو الجانب الفني، أي أن الموضوع يتعلق بالجانب الفسيولوجي لحنجرة المطرب، وهي مسألة نسبية بين فنان وآخر، فهناك من تتأثر أصواتهم بفعل التقدم بالعمر، وهناك من تبقى حناجرهم محافظة على قوتها ونقائها.
ففي مرحلة الشباب والانطلاق نحو الشهرة، المطربون يصولون ويجولون على المسارح ويغنون لساعات طويلة وربما يقضون الليل بأكمله بالغناء، يتنقلون من مكان إلى آخر، لكن هذا الصوت الصداح والعذب الذي يطرب السامعين، يتأثر بفعل التقدم بالسن ويصاب بالوهن والضعف، مثل بقية أجهزة الجسم الاخرى. فتبدأ مرحلة الهدم، فتضيق مساحة الصوت والنفس وترتخي الحبال الصوتية وتفقد الحنجرة بريقها وقوتها، ويصبح المغني غير قادر على التحكم بها، فيخرج عن التون وتظهر نشازاته للعلن. فتتحول نظرات الاعجاب للنجم السابق إلى عطف وشفقة وهو يكابر ويوهم نفسه بأنه ما زال قادرا على التأثير كما كان! ولا تنفع معه ارتداءاته الشبابية أو عمليات التجميل التي تخفي خطوط الشيخوخة التي رسمها الزمن على وجهه، ولا يستطيع أن يخفي ضعف حنجرته وشيخوختها. فللعمر أحكامه القاسية، وعلى حد قول أم كلثوم في أغنية فات الميعاد "عايزنا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع 
يا زمان".
أصاب بالحسرة وأشعر بالشفقة، عندما أرى المطرب جورج وسوف، يتكئ على مسند، وبالكاد يخرج صوته، ويكابر بطريقة تثير الشفقة، لمطرب يعد امتداداً لجيل الكبار، لمدرسة الطرب الشرقي، وصاحب الروائع الغنائية والصوت الذهبي.
على العكس من ذلك نجد المطرب الريفي حضيري ابو عزيز، عندما دعته دائرة الاذاعة والتلفزيون بعد فترة غياب عن الساحة، إلى تسجيل مجموعة من الأغاني بصوته، وعندما شعر أن صوته غير قادر على العطاء مثلما يريد ويستحقه جمهوره، أوقف الموسيقيين، وخاطب المايك "هذا حدي وياك"، واعتزل الغناء، لأنه فنان حريص على أن تظل صورته نقية مشرقة في أذهان الجمهور، ولا يريد لهذه الصورة أن تهتز في الهزيع الأخير من العمر.