زيد الحلي
عبارات التهاني والتبريكات في الأعياد والمناسبات، باتت معروفة ومكررة، غير أنني توقفتُ أمام عبارة تهنئة، وجدتها غريبة وبعيدة عن جدلية الحياة، بعثها رجل علم وأديب معروف لزميل له في الجامعة، ونشرها على صفحته في التواصل الاجتماعي بمناسبة السنة الجديدة، هنأ فيها بالقول : "أتمنى لك حظاً سعيداً.. فبدون الحظ سيبقى الحال.. كما هو"!
اعتراني العجب وأنا أتلمس رؤية رجل علم وأدب، بأن الحياة لا تستقيم ولا تثمر ولا نجاح فيها، إلا بوجود (الحظ وبوجود الحظ فقط، دون أن يشير إلى المثابرة والجهد والإصرار وغيرها من عوامل النجاح، ناسياً أن "عكازة" الحظ هي وسيلة الكسالى، و"شماعة" أصحاب الأمنيات المتخيلة، الذين نسوا "وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا" كما قال الشاعر .
إن كلمة (الحظ) يطلقها الناس في أمور عدة، ومناسبات باتت متداولة في زوايا الحياة، ويقصدون بها نصيب الإنسان من خير و شر، وهي استعمال لغوي صحيح، وأكثر ما تُستعمل كلمة الحظ في نصيب الإنسان من الخير.
وقديماً قيل :عندما يدخل الحظ دارك دعه يجلس، لكن السلف لم يقولوا : في الرخاء يظهر الحظ، وفي الضنك تظهر العظمة. والعظمة هي الشجاعة والإرادة والعزيمة والصمود بوجه لحظات العوز وخذلان الزمن، وإنني أجزم بأنه على قدر شجاعة واجتهاد المرء في عمله يزداد تألق (حظه) وتزدهر آماله، فالحظ والشجاعة يندمجان في قالب واحد، ويسيران جنباً إلى جنب، وبهما نصنع المستحيلات، ونلّين الصعوبات، وهما خير معين على تحقيق ما نريد، ويضاعفان قوة الإنسان إلى ما لا نهاية، علينا ترك كلمة (الحظ) والتوجه لدفع آلامنا، واحباطنا وقلقنا وحزننا وجروحنا بعيداً عن مخيلة رؤوسنا، فالحياة والنوايا الصادقة والإرادة والشجاعة والوعد النبيل، كنوز ثمينة لا تستحق أن نضيعها بين هاويات الطرق، وارهاصات صحراء بلا طائل، الحياة امتحان في نوايا ووجدان الحقيقة، والناجح فيها من يدخلها من باب الإرادة وليس من شباكها الضيق المسمى بـ "الحظ"!.