سوريا تطبخ والعراق يأكل

الصفحة الاخيرة 2023/01/05
...

 بغداد: نوارة محمد


تُشير لافتات المحال التجارية المنتشرة في شوارع البلاد إلى اندماج الثقافات وتقارب الهويات، ويبدو هذا واضحاً في المزاج السائد الذي كسر النمطية، ونالت بغداد النصيب الأكبر من هذا الاندماج، إذ سرعان ما دخلت الأطباق السورية واللبنانية في "منيو" المطاعم المحلية التي تلاقي إقبالاً يثير الانتباه.

في أي مطعم تقصده في العاصمة لا بد أن تلتقي بعمال من سوريا ولبنان يحرصون بنشاط على تغيير أذواق الناس والتعريف بالأكلات الشامية أو اللبنانية. 

يقول الشيف أحمد عطا الله، وهو صاحب المطعم السوري "ابن الشام" لـ "الصباح": بعد الانتكاسات الذي عاشتها سوريا اضطررنا للنزوح، وقد اخترنا العراق ولبنان لأننا لم نحظ بفرصة الخلاص والهجرة إلى أوروبا."

ويضيف: يقدم العراق فرصاً ذهبية ويفتح أبواباً واسعة، لا سيما في الآونة الأخيرة، فسرعان ما أصبح الإقبال على الأطعمة السورية والحلويات الشامية واسعاً وهذا ما جذب الطُهاة السوريين وأصحاب المشاريع التجارية لاستثمار هذا النجاح.

ويتابع: ليس بالغريب أن يحدث هذا في عصر التكنولوجيا والحداثة التي أتاحت فرصة الإطلاع على العالم وثقافاته لا سيما أن المطبخ هو سمة الشعوب الأساسية ويمارس دوره ويسهم بشكل كبير بكسر قيود التزمت الذي لطالما زرعته التقاليد.

وفي العودة للتراث الشعبي ارتبط الطهي بكلاسيكيات المُدن وأحداثها، تبعاً للأمكنة والجو وما يحيطها. وبحسب الناقد والباحث في التراث الشعبي الدكتور علي حداد فإن "تاريخ الأكلات بدأ من العراق نحو مُدن بلاد الشام" كما يقول إن "عادات الطعام تتغير لدى المجتمع تبعاً لتغير ظروفه الاقتصادية والاجتماعية التي تؤسس لقيم سلوكية وعادات وتقاليد تستجيب لتلك التغيرات وتتمثلها، وقد شهد العراق هزات قيمية هائلة خلال الربع قرن الأخير". 

ويؤكد: إذ أثرت كثيراً في بناه المتوارثة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية، ومعها قيمه الاجتماعية ونال هذا من عادات تناول الطعام المنزلي والتلذذ به، وهو المصنوع بعاطفة الأم أو الزوجة، وخصوصية ما تترسمه في عملها له، الأمر الذي لم يعد مما يأبه له الكثير من الرجال ـ ومثلهم ربات البيوت ـ ويزيحونه من حساباتهم في تربية أبنائهم التي تحقق إدامة الصلة العاطفية بالمنزل. 

ومن هنا صارت الكثير من الأسر تستسهل توفير الطعام بـ "الدلفري" من المطاعم، أو تذهب إليها لتناول الوجبات، حتى وصل الأمر إلى تناول وجبة الإفطار هناك. وكان من الطبيعي ـ وما دامت الأسرة قد حبذت أكل المطاعم ـ أن يستدرجها الأمر للبحث عن أنواع من الأطعمة غير العراقية من باب التغيير ومساعي اكتشاف الجديد من المأكولات الوافدة إلينا، لاسيما من دول الجوار، وفقاً لتعبيره.

ويشير إلى أن الطريف في الأمر أن كثيراً من تلك الأكلات الشامية هي ذات أصل عراقي بعيد في تاريخيته، فـ "الكبة والكباب والصاج، وأنواع الخبز والرز المطبوخ" والتفنن في صناعتها ومعه عادات تقديم المقبلات والحلوى هي مما عرفها العراقيون في حضاراتهم القديمة "الأكدية والبابلية والآ شورية"، لتتسع مساحة تمثلها وتداولها بصيغ حضارية متقدمة خلال العصر العباسي أيام أصبحت بغداد أهم مراكز الحضارة الإنسانية حينذاك.

ويرى أنه بغض النظر عن أصل هذه الأكلات إلا أن تقديمها بطريقة جديدة هو ما يشد الناس إليها بعد عقود طويلة من الرتابة وغياب الابتكار والنمطية المتشددة.