درس الرياضة للسياسة

الصفحة الاخيرة 2023/01/07
...

جواد علي كسار

من بين أكثر من ستين لعبة وعلى مدار شهر تقريباً لم أتابع من كأس العالم في قطر، إلا أقل من عشر دقائق، اقتصرت على بعض أبرز الأخبار والأهداف، ومع ذلك تراكمت أمامي دروس تستحق الاعتبار.

من بين أبرز ما لفت نظري هو استقالة أو إقالة مدربي الكثير من المنتخبات الخاسرة، حتى خيّل لي إننا أمام "مجزرة مدربين"! وهذه علامة إيجابية فارقة تميز عالم الرياضة والرياضيين عن عالم السياسة والسياسيين، تنم عن شعور بالمسؤولية واستعداد لدفع ثمن الخسارة والفشل، في عالم الرياضة وغيابها أو ضعفها في عالم السياسة. وما يزيد من أهمية هذه النقطة أنها تعكس في دنيا الرياضة، سجية أو ثقافة ضاربة عمقاً في تأريخ "المونديال"، إذ ما زلت أذكر تكرّر ظاهرة الاستقالة والإقالة في الدورات أو النسخ السابقة لهذه المسابقة، لا سيما نسخة فرنسا عام 1998م، وقد كتبت يومها عموداً عن مجزرة المدربين، أنهيته بسؤال استفهامي أكرره الآن: لماذا لا يستفيد السياسيون من الرياضيين؟!.

أعرف أن السياسة تحولت في عالم اليوم إلى بطانة للرياضة بخاصة المسابقات العالمية. لكن المهم هو التركيبة أو شكل التوفيق بين هذين العنصرين بالاستناد إلى الثروة والمال والاقتصاد، لتحقيق أكبر قدر من المصالح. وفي تقديري أن قطر استطاعت باستثمار المال، والإدارة الفاعلة وتوظيف الخبرات والاختصاصات، أن تجر البلد إلى قلب السياسة وتدفعه إلى واجهة العالم؛ وهذا درس يستحق التأمل.

ومع ذلك أجد أن هذا الموسم الرياضي شهد قدراً غير قليل من المغالاة؛ كإقحام الجانب الدعوي والمبالغة فيه، مع أن للدعوة إلى الإسلام مجالها وأدواتها. كما فعل الشيء نفسه من رفع شعار أن هذه الدورة من كأس العالم هي دورة فلسطين، وقضية هذا الشعب هي أكبر الفائزين ضدّ التطبيع، مع أننا ندرك جميعاً أن للقضية الفلسطينية أدواتها المناسبة في الفعل والتأثير، دون أن نغمط شيئاً من المشاعر العربية والإنسانية في رفع العلم الفلسطيني.

من صيغ المغالاة العنفوان الدعائي واندفاعه لاستحضار الخزين التأريخي للصراعات السابقة والحالية، بين الأمم والدول والدفع بثقله إلى الواجهة، والحكم على النتائج من خلال هذا الموروث الشعوري الصراعي، مع أن الفشل والفوز في المستطيل الأخضر، لا يغيّر حقائق الصراع أو الوفاق في عالم السياسة، إلا في مسارٍ آخر.

من أمثلة ذلك مبالغة الإعلام الإيراني بنتائج اللعبة مع الفريق الأميركي، ووصفها بأنها لعبة القرن والتهويل بها، ليعود كل شيء إلى نقطة الصفر مع خسارة الفريق الإيراني؛ تماماً كما حصل مع فوز المغرب ضدّ البرتغال، عندما قرأت في أغرب تعليق، ما نصه: "المسلمون المغاربة يفتحون الأندلس مجدداً" وسلام الله وصلواته على أبي الحسن في قوله: "لا ترى الجاهل إلا مفرطاً أو مُفرّطا"!