رئيس الجمهوريَّة بين أهالي نينوى استذكاراً ووفاءً للتضحيات

العراق 2023/01/08
...

 بغداد: الصباح

ضمن منهاج عمله لزيارة المحافظات والمدن العراقيَّة، وبهدف الوقوف بشكل مباشر على مشكلات المواطنين ومعاناة المحافظات، قام رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد رفقة وفد وزاري رفيع، الأسبوع الماضي 28 كانون الأول 2022، بزيارة موسّعة إلى محافظة نينوى شملت مختلف القطاعات، استذكاراً ووفاءً لتضحيات أهلها الذين صمدوا بوجه الهجمة الإرهابية التي طالت محافظتهم، ومن أجل تقديم ما يمكن تقديمه من حلول ومساعدات، وتعزيز التفاهم مع مجلس الوزراء والمؤسسات ذات الاختصاص لتشخيص المشكلات التي تتطلب إجراءات من اختصاص الحكومة والمؤسسات الأخرى.

وكان جدول عمل الزيارة مكثفاً، وقد جرى الإعداد له بحيث يسمح بزيارة الجهات الحكومية والقضائية والأمنية والتعليمية، بالإضافة إلى استثمار توقيت الزيارة المتزامن مع أعياد الميلاد ورأس السنة، إذ زار رئيس الجمهورية أماكن دينية مسيحية وحضر قدّاساً بالمناسبة، والتقى مواطنين مسيحيين هناك، كما أتاحت الزيارة اللقاء بقطاعات مختلفة من وجهاء المحافظة وأكاديمييها ومواطنيها من مختلف المكونات ورجال دين وشيوخ قبائل بهدف الحديث المباشر معهم والاستماع إلى معاناة المواطنين من خلالهم، وما تقدّمه الجهات التنفيذية من خدمات للسكان.


أول محطة

عند وصول رئيس الجمهورية إلى الموصل زار مبنى المحافظة، والتقى المحافظ نجم الجبوري، والملاك الإداري المتقدم في مجلس المحافظة، بالإضافة إلى القادة الأمنيين وعدد من نواب المحافظة، إذ أشار رشيد إلى القيمة التي تحظى بها محافظة نينوى بالنسبة للعراقيين جميعاً بالإضافة إلى خيراتها ومواردها الطبيعية والزراعية، واستمع إلى شرح من المحافظ بشأن الأوضاع في المحافظة والسبل الكفيلة بالنهوض بواقعها على المستويات الخدمية والأمنية والاقتصادية.

وفي هذا السياق، دعا رشيد إلى ضرورة السعي الجاد من قبل جميع الجهات ذات العلاقة لإحياء المحافظة اقتصادياً وعمرانياً وثقافياً، مؤكداً أنَّ الموصل قادرة على تجاوز الفترات المظلمة إبّان احتلال العصابات التكفيرية للمحافظة، ومهيأة بعد ذلك للعودة إلى مكانتها المعهودة وحل مشكلاتها وتعزيز استقرارها الأمني وتوطيد وحدة سكانها.

وأكد أهمية العمل الجدي لتنفيذ وتلبية المطالب المشروعة لأبناء المحافظة وصولاً إلى نتائج إيجابية ترتقي بواقعها وتحقق آمال أبنائها في حياة حرة كريمة، وأشار إلى أهمية تعزيز السلم الأهلي وتمتين الروابط الاجتماعية من خلال الحث على تبني الأفكار الإيجابية التي تذلل العقبات أمام تطور المدينة في المجالات كافة، مشدّداً على ضرورة الارتقاء بالواقع الخدمي من خلال إعادة إعمار المناطق المحررة وتبنّي التخطيط الحديث والبدء بإنجاز المشاريع ذات التماس المباشر بحياة المواطنين وبما يؤمّن جميع متطلباتهم.

ثم أجرى رئيس الجمهورية زيارة تفقّدية إلى كلٍّ من دار العجزة ودار الأيتام في الموصل، إذ تجوّل في الدارَين وتحدّث مع العاملين فيهما وشدّ على أيديهم، موجِّهاً بتوفير جميع مستلزماتهما، واطلع على الخدمات المقدّمة لنزلاء دار العجزة من كبار السنّ ومستوى الرعاية الصحية والاجتماعية المقدَّمة لهم والسبل الكفيلة بتأمين متطلباتهم، كما تفقد الأطفال اليتامى المقيمين في دار الأيتام واستفسر عن أوضاعهم ودراستهم وحاجاتهم، حاثاً إياهم على مواصلة التعلم والمثابرة، ليكونوا عناصر فاعلة في بناء مستقبل العراق.


الجامعة العريقة

وبعدها زار رشيد جامعة الموصل، وخلال اللقاء برئيس الجامعة قصي كمال الدين الأحمدي وأعضاء مجلس الجامعة وعمداء كلياتها ومدراء الأقسام فيها والملاك التدريسي، أشار إلى أنَّ الموصل هي بيت لكلّ العراقيين وتجمّعٌ لكلِّ مكوناته، وأنَّ إعادة إعمارها مسؤولية وطنية مشتركة.

وأشاد بعراقة جامعة الموصل ودورها المتميز في تنمية المجتمع ورفد البلاد بالكفاءات في مختلف المجالات منذ تأسيسها في ستينيات القرن الماضي وحتى اللحظة، عادّاً إياها جامعة متميزة على المستوى المحلي والدولي، أسوة بتميّز الجامعات العراقية الأخرى، ومؤكِّداً أنَّ الارتقاء بالمستوى العلمي للجامعات يعدّ من الأولويات القصوى للدولة لتأهيل ملاكات متمكنة في اختصاصاتها وبكفاءة تسهم من خلالها في تنمية المجتمع معرفياً واقتصادياً واجتماعياً.

وحرص رشيد في جولته بالمحافظة على زيارة المكتبة المركزية في جامعة الموصل والتي تعرّضت لاعتداء وحشي من قبل الإرهاب جرت خلاله أبشع جريمة لإحراق الكتب خلال العصر، وهذه المكتبة العريقة تعدّ من المكتبات المهمة وتضم الكثير من المخطوطات وأكثر من مليون كتاب ومصدر علمي وأدبي، وقام بإهداء مجموعة من الكتب إلى المكتبة، كما اطلع على متحف داخل المكتبة ضم آثار الدمار الذي خلفته عصابات "داعش" على بعض الكتب والمخطوطات إضافة إلى الأعمال البحثية للطلبة بمختلف الاختصاصات.

واستمع رئيس الجمهورية إلى شروح بشأن أوضاع الجامعة وكلياتها وعملها والخدمات المقدمة لطلبتها، فضلاً عن المتطلبات اللازمة للنهوض بواقعها لاسيما على مستوى تحديث بناياتها وتأهيلها بالشكل اللازم، إذ عبّر عن دعمه الكامل لتوفير جميع أنواع مستلزمات تطوير المستوى العلمي والأكاديمي للجامعة.

وفي سياق حديثه، تناول رشيد موضوع مشروع سدّ الموصل كونه من أهمِّ المشاريع في العراق والشرق الأوسط وما له من تأثير في الواقع الزراعي والمعيشي في العراق، موضحاً أنَّ وزير الموارد المائية- الذي كان يرافقه- في زيارته يولي هذا السدّ اهتماماً خاصاً، وعبّر رئيس الجامعة عن سعادة الجامعة بملاكاتها وأكاديمييها وطلبتها بالزيارة التي وصفها بالأولى التي يقوم بها رئيس جمهورية للجامعة منذ تأسيسها.


رجال القضاء

كما زار رئيس الجمهورية رئاسة محكمة استئناف نينوى، وكان في استقباله رئيس المحكمة القاضي رائد مصلح وباقي أعضائها، وفي هذا اللقاء أكد رشيد أنَّ الموصل كانت وستبقى مركزاً للثقافة والتجارة، مبيّناً أنَّ هذه المرحلة هي مرحلة ترسيخ القانون والعدالة في المجتمع، مشيراً إلى أنَّ القاضي العادل يعدّ ركيزة أساسية لحفظ الحقوق وإرساء مبادئ العدل والمساواة وأنَّ العدالة هي أهم عوامل التقدم في أي بلد أو مجتمع.

وأضاف أنَّ رجل القضاء يحمل رسالة سامية لردع الباطل ومنع الظلم، لافتاً إلى أنَّ أهالي الموصل تحمَّلوا الكثير من المعاناة والفواجع والظروف القاسية ولا سيما بعد سيطرة عصابات "داعش" على المحافظة، وحان الوقت اليوم لإنصافهم والوقوف معهم، وإيجاد الحلول لمشكلاتهم والنهوض بالواقع الخدمي والمعيشي في المدينة، كما جرى خلال اللقاء استعراض العمل القضائي وتسهيل الإجراءات القانونية بخصوص قضايا المواطنين. 


المدرسة القديمة

وزار رشيد مدرسة "حطين" الابتدائية التي استخدمتها عصابات "داعش" كسجن ومكان للتعذيب وتنفيذ الإعدامات ضدّ المواطنين، وخلال زيارته للمدرسة التي تعد واحدة من أقدم المدارس في المحافظة، اطّلع على سير العملية التربوية وأهم المشكلات التي تواجه الأسرة التعليمية في أداء رسالتها التربوية، موضحاً أنَّ زمن الإرهاب قد انتهى والآن هو زمن الحرية والتقدم والاستقرار والأمان.

وأكّد أنَّ المدرسة تُسهم في غرس المعرفة وتنمّي المواهب، وتطوّر قدرات التلاميذ، مشيراً إلى أنَّ الاهتمام بالجيل الجديد وإعدادهم وتسليحهم بالعلم والمعرفة يصنع منهم رجالاً وقادة قادرين على خدمة شعبهم وتحقيق مستقبل زاهر لبلدهم، وفي هذا السياق، وجّه بالمساعدة في إعادة إعمار المدرسة مع الحفاظ على قيمتها التراثية والعلمية.


من {الطاهرة} إلى {النوري}

كما زار الرئيس رشيد كنيسة "الطاهرة" في مدينة الموصل وعدداً آخر من الكنائس المجاورة لها، وتجوَّل في المنطقة واطلع على حركة الإعمار الجارية لعدد من الكنائس التي تعرضت للدمار في فترة الإرهاب "الداعشي"، إذ أوضح أنَّ الحقبة المظلمة لـ"داعش" انتهت بانتهاء هذه الجماعة المجرمة وأنَّ العراق اليوم ماضٍ في طريق التطور والتقدم والإعمار والاستقرار على كلِّ المستويات.

وزار أيضاً جامع "النوري" في الموصل، للاطلاع عن كثب على المراحل الجارية لإعادة إعماره، وأشار إلى أنَّ يد الإرهاب الغاشمة كانت تحمل مخططات خبيثة لطمس هوية هذه المدينة العريقة والمتنوعة عبر تدمير هذا الصرح الديني التاريخي المهم إلى جانب العديد من الصروح الأخرى، مؤكداً ضرورة إعادة إعمار جامع "النوري" و"منارة الحدباء" وفق المعايير العالمية والحفاظ على شكلهما التراثي والتاريخي، وتجاوز آثار الإرهاب الظلامي.


تراث الموصل

وبعدها زار مؤسسة "بيتنا الثقافي" و"متحف التراث الموصلي" في المدينة القديمة في الموصل، وخلال الزيارة استمع إلى شرح مفصل من القائمين على المؤسسة بشأن مخرجات عملها التي تُعنى بالأنشطة الثقافية والاجتماعية والإنسانية، وأكد ضرورة دعم جهود الشباب والاستفادة من أفكارهم في حقول الفن والثقافة والتراث، وخلال تجوله في متحف التراث الموصلي، وهو عبارة عن منزل تراثي تم إعماره وتحويله إلى متحف مختص بتراث المدينة، أشاد بهذه المبادرة الهادفة إلى الحفاظ على تاريخ المدينة وعراقتها.

كما التقى رشيد جمعاً من أهالي الموصل من شيوخ العشائر ووجهائها وبيوتات المدينة وممثلين عن المكونات المتنوعة في المدينة، وفي مستهل اللقاء الذي حضره الوفد المرافق أعرب رئيس الجمهورية عن حرصه على القيام بهذه الزيارة، مشيراً إلى أنَّ الموصل والعديد من المدن عانت الكثير بسبب الإرهاب الذي سعى لاستهداف التعايش المجتمعي بين مختلف المكونات والأطياف العراقية، لكن تكاتف العراقيين ووعيهم فوّت الفرصة على من أراد العبث بالبلد وتهديد السلم المجتمعي.

وأكّد ضرورة تجاوز آثار الإرهاب عبر إعادة البناء والإعمار والعمل على تذليل الصعوبات لضمان عودة النازحين إلى منازلهم وغلق هذا الملف بصورة نهائية، مبيّناً أنَّ الحكومة وضعت في برنامجها الوزاري خططاً طموحة للارتقاء بجميع المحافظات عبر مشاريع البنى التحتية الأساسية، وتعزيز الأوضاع المعيشية والخدمية للمواطنين.

وشدّد على ضرورة ترسيخ الأمن والاستقرار في الموصل لتشجيع حركة الاستثمار والقطاع الخاص في سبيل تطوير المدينة لتصل إلى المكانة المرموقة التي تستحقها، كما أكّد ضرورة دعم الشباب وفتح الفرص أمامهم ليكونوا مساهمين في النهوض بمدينتهم، والعمل على دعم القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية التي ستنعكس إيجاباً على المدينة وأهلها.


المكون المسيحي

وزار رشيد كنيسة {الطاهرة الكبرى} في قضاء الحمدانية، وعبّر عن شكره العميق للمشاعر الطيبة للأهالي وعن سعادته بزيارة قضاء الحمدانية ولقاء أهله، مشيداً بصمودهم بوجه الإرهاب، لافتاً إلى أنَّ المكوّن المسيحي عبّر عن شجاعة أبنائه بثباتهم جنباً إلى جنب مع سائر العراقيين في مواجهة التحديات والمصاعب، مشيراً إلى أهمية النهوض بالقضاء وتلبية المطالب المشروعة لأهله، واطّلع على واقع القضاء وأحوال مواطنيه واستمع إلى المشكلات التي تواجههم والاحتياجات اللازمة لتطوير الواقع الخدمي والمعيشي لهم.

وهنّأ رئيس الجمهورية أهالي القضاء بميلاد السيد المسيح "عليه السلام"، معرباً عن سعادته بانتهاء صفحة الإرهاب في المنطقة وعودة ساكنيها واستتباب الاستقرار والأمان فيها، مستذكراً التضحيات التي قدّمها الشهداء الأبطال من الرجال والنساء في سبيل عراق ديمقراطي يعيش فيه الجميع بسلام.

ورافق رئيس الجمهورية خلال الزيارة عدد من الوزراء، وهم كلٌّ من وزير التربية إبراهيم نامس الجبوري ووزير الموارد المائية عون ذياب عبد الله ووزير البيئة نزار ئاميدي ووزير الثقافة والسياحة والآثار أحمد فكاك البدراني ووزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق جابرو وأمين عام مجلس النواب صفوان بشير يونس وعدد من كبار المسؤولين.


أبرز المشكلات

استمع رئيس الجمهورية إلى جملة من المشكلات التي قدمها المواطنون والسلطات في نينوى، وهي مثل سواها من المحافظات، تعاني النقص الحاد في أبنية المدارس والملاكات التعليمية، ومن المؤمّل إنجاز أبنية ما لا يقل عن ثلاثين مدرسة ضمن المشروع الصيني، ومن بين تلك المشكلات:

ــ أغلب الأبنية والمنازل في الجانب الأيمن من مدينة الموصل ما زالت مهدَّمة وخالية من السكان، ويشكو المواطنون التأخر في تعويض مالكي الأبنية والمنازل، ومنع المالكين من إعادة بناء ممتلكاتهم المهدمة.

ــ يعاني مواطنو المحافظة مشكلات البنى التحتية اللازمة لتقديم خدمات صحية مناسبة، فهناك نقص حاد في المستشفيات والمراكز الصحية، ونقص في الأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية وبالتالي نقص واضح في الخدمات الصحية المقدمة.

ــ الاستثمار في جميع المجالات ما زال شبه معدوم، ولا يوجد أي مشروع استثماري حتى أنه لا يوجد في المدينة فندق مناسب، فجميع الفنادق مهدمة جرّاء الإرهاب، ولم يتم إعمار أي منها.

ــ شحّ في الوقود والمنتجات النفطية، ووجود طوابير طويلة من المواطنين في المحطات بانتظار الحصول على حصة من الوقود للسيارات ومن المنتجات النفطية الأخرى اللازمة للتدفئة في شتاء بارد، ويتحدث المواطنون في نينوى عن سرقات تتعرض لها حصص المحافظة من هذه المنتجات التي لا تصل إلى المواطن.

ــ كانت نينوى من المحافظات التي تشكل السياحة جانباً من مواردها، وتشكل أعمال وخدمات السياحة جانباً من فرص عمل سكانها، وما زال التخطيط والعمل من أجل إحياء حركة السياحة في الموصل وفي أقضية المحافظة الأخرى معطلاً تماماً.

ــ نينوى محافظة حدودية وقد كانت ممراً للتجارة مع البلدين الجارين؛ سوريا وتركيا، حالياً تكاد تكون حركة التجارة فيها شبه معطلة، وبما يزيد نسبة

البطالة.

ومن حيث الإيجابيات، من الملاحظ أنَّ إعمار جامعة الموصل ومكتبتها كان ممتازاً، ويُعزى ذلك إلى إسهام منظمات دولية وعربية في إعادة إعمار هذا الصرح الأكاديمي المهم، كذلك يمكن ملاحظة العمل الجاد على تبليط الطرق وإعادة إكسائها، والملمح المهم هو إعادة إعمار الجسور التي تهدمت على أيدي "الدواعش".

كما أنَّ الوضع الأمني في المحافظة مستقر بشكل واضح، والتعاون ما بين المواطنين والقوى الأمنية جيد، وهذا ما يشجع على إمكانية تنشيط حركة الاستثمار والبناء والعمل في المحافظة.