عبد الهادي مهودر
التغير المناخي الخطير الذي يشهده العالم وصلنا على شكل أمطار غزيرة تنذر بفيضانات، لكنها أوقفت البكائيات العراقية من شحة المياه وعدّلت مزاج العراقيين نحو الأحسن، وبينما العالم مرعوب من التغيّر المناخي استراحت وزارات الموارد المائية والزراعة والبيئة واستبشرت خيراً بحلول موسم زراعي وفير ومياه كافية للأهوار والبحيرات والسدود والمراعي والصحارى وللخلاص من مشكلة الغبار، وتحولت مفاوضاتنا مع دول المنبع إلى مطلب قابل للتأجيل على قاعدة إذا حضر الماء بطلت المفاوضات، وتأجلت إلى إشعار آخر المناشدات عن مخاطر الجفاف والتصحر والتبخر والتلوث والهدر والتفريط وتوقفت دعوات الترشيد والتنقيط وحل منازعات الحصص المائية والتدخلات العشائرية، وبقي المتضرر غير المستبشر الوحيد من جميع المعالي هو السيد أمين بغداد الذي تعيش دوائره حالة طوارئ حقيقية وتمتحن شبكة مجاريها أصعب امتحان، ووحده السيد الأمين يردد أنشودة المطر (أتعلمين أي حزن يبعث المطر وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر وكيف يشعر الوحيد بالضباع؟!)، ولكن مشهد فيضان الشوارع هان أمام نعمة المطر وأمام مشاهدة صور انسداد شوارع نيويورك بالجليد وغرق شوارع دبي والرياض وجدة ووادي العقيق في المدينة المنورة، وعظّم الله أجورنا بمصاب التغيّر المناخي وآثاره الخطيرة التي لم نحسب حسابها بعد، فما زلنا نعتبر الحديث عنها شأناً كمالياً ثانوياً، وما زالت تحذيرات وأخبار البيئة تأتي متأخرة في نشرات الأخبار كدليل على عدم التصديق بجدية المخاطر وبالصراع الذي يشهده العالم وتعهدات الدول الأكثر تلويثاً للبيئة التي لم تنفذ ومآسي الدول المتضررة من خطر الانبعاثات والتلوث، وفي آخر مؤتمر عالمي حول التغيرات المناخية قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (أما التعاون أو الهلاك) لكن هذه الصرخة بقيت محصورة في حدود قاعة مؤتمر مدينة شرم الشيخ الذي شارك به العراق العام الماضي بفاعلية وحضور كبير لأنه خامس أكثر الدول هشاشة تجاه التغيّرات المناخية، وإذا تغيّر مزاجنا مرحلياً بسبب هطول الأمطار فيجب ألا تنسينا فرحة الأمطار صرخة غوتيريش الذي طالما يصرخ ولا من مجيب ولا يعرب عن القلق كسلفه، والوزارات العراقية الفرِحة يجب أن تغتنم فرصة المطر قبل عودة الشحة والجفاف ولا تترك الحلول للقدر وتتباكى في موسم الشحة وتتفاوض مع دول المنبع عندما يجف البئر، والحديث النبوي الشريف يقول (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)، ومزاج المواطن غير مزاج الدولة، نحن نفكر بالأقرب والأسهل والدولة يفترض أن تفكّر بالأبعد والأصعب، ونحن مزاجيون نفرح بالمطر كما يفرح الأطفال بحمل المظلات وكما يحزن الفقير الذي يخر عليه السقف وكما تحزن الأحياء السكنية المحرومة من شبكات المجاري والتبليط، فرحتنا الرسمية بالمطر عليها علامات استفهام وتساؤلات عن مدى وجود الحلول العلمية لمعالجة مشكلة المياه، وفرحتنا الشعبية مشروعة ومبررة، وهكذا كلٌ حسب حاجته إلى المطر. بلا انتهاءٍ كالدم المراق كالجياع، كالحب كالأطفال كالموتى هو المطر.