فئران تستعيد شبابها :

علوم وتكنلوجيا 2023/01/16
...

 ساندي لاموت

 ترجمة وإعداد: أنيس الصفار

في مختبرات بوسطن استعادت فئران مسنة بصرها بعد عمى واكتسبت أدمغتها شباباً وذكاء كما استعادت أنسجتها العضلية والكلوية صحتها وحيويتها. في الجانب المقابل هناك فئران شابة أسرع إليها المشيب قبل الأوان متسبباً بآثارٍ مدمرة في جميع أنسجة الجسم تقريباً.

تثبت هذه التجارب أنَّ الشيخوخة عمليَّة قابلة للحركة باتجاهين متعاكسين، أي أنَّ بالإمكان التقدم بها الى الأمام أو التراجع الى الخلف، كما يقول خبير مكافحة  الشيخوخة "ديفد سنكلير" الأستاذ في علم الوراثة بمعهد "بالفاتنيك" التابع لكلية هارفارد الطبية والمدير المساعد في مركز "باول أف غلين لبايولوجيا ابحاث الشيخوخة".

يقول كبير الباحثين سنكلير في ورقة بحثه الجديدة، التي تستعرض أعمال مختبره مع علماءٍ آخرين من أنحاء العالم، إنَّ أجسامنا تحتفظ بنسخة دعم احتياطيَّة من صورة شبابها ومن الممكن تحفيزها لإعادة التجدد.

هذه التجارب مجتمعة، التي نشرت لأول مرة يوم الخميس الماضي في مجلة "سيل" (الخلية) الدورية، تتحدى المعتقد العلمي السائد بأنَّ عملية الشيخوخة إنَّما تنجم عن طفرات جينيَّة تؤدي الى تخريب حامضنا النووي "دي أن أي" وبذلك تنشأ ساحة نفايات تتراكم فيها الأنسجة الخلوية المتعطلة والمعطوبة وهذه تودي بنا الى التدهور والمرض ثم الموت. يقول سنكلير: "ما يسبب لنا الشيخوخة ليست النفايات ولا تضرر الأنسجة. باعتقادنا أنَّ الأمر متعلقٌ بفقدان المعلومات حين تفقد الخلية قدرتها على قراءة النسخة الأصلية من حامضنا النووي وتبدأ بنسيان كيفيَّة أداء وظائفها، مثلما يحدث لجهاز الكومبيوتر القديم حين يختل أداء برمجياته. أنا أسميها نظريَّة المعلومات في علم الشيخوخة".

يقول "جاي يون يانغ"، وهو باحث مساعد متخصص بالوراثة من مختبر سنكلير، إنَّه يتوقع لهذا الكشف أنْ يغير نظرتنا الى الشيخوخة وأسلوب معالجتنا للأمراض المصاحبة للتقدم بالعمر.  يمكننا تشبيه الحامض النووي "دي أن أي" بأنه جهاز كومبيوتر رئيسي، والإبيجينات (وهي العوامل الوراثية ما فوق الجينية) بأنها البرمجيات التي يعمل من خلالها جهاز الكومبيوتر. هذه الإبيجينات عبارة عن بروتينات ومواد كيميائية أخرى تستقر في مواضع لها على كل جين بما يشبه "النمش" منتظرة أنْ تخبر الجين "ماذا يفعل" و"أين يفعله" و"متى يفعله". لذلك فإنَّ هذه المنظومة ما فوق الجينية هي المشرف الفعلي على تشغيل وإيقاف عمل الجينات، وهذه العملية يمكن أنْ تتحفز بمؤثرات مثل الملوثات والسموم البيئية وحتى السلوك البشري نفسه، كالتدخين أو تناول الوجبات المسببة للالتهابات أو نقص النوم المزمن. ومثلما يحدث في أجهزة الكومبيوتر بالضبط تصاب العمليات الخلوية بالتعثر والخلل كلما تحطم المزيد من الحامض النووي أو تضرر، كما يقول سنكلير. عندئذ تصاب الخلية بالهلع وتهب البروتينات، التي تعمل في الظروف الاعتيادية على تنظيم عمل الجينات، لإصلاح الحامض النووي المتضرر ولكنها بعد ذلك تضل الطريق ولا تتمكن من العودة الى مكانها الذي انطلقت منه وتنتهي الى نفاية لا نفع منها، وهذا هو الذي يحصل للأشخاص الذين يصابون بمرض الزهايمر.

يستطرد سنكلير موضحاً أنَّ الكشف المذهل هو وجود نسخة دعم احتياطية في الجسم من البرمجيات (software) التي تمكننا من إعادة ضبطه وإعادته كما كان (reset). يمضي سنكلير مبيناً: "نحاول من خلال عملنا أنَّ نبين لماذا يختل عمل السوفت وير وكيف نستطيع إجراء (reboot) للنظام كله بنقرة على زر (reset) لتستعيد الخلية قدرتها على قراءة خارطتها الجينيَّة الأصليَّة على النحو الصحيح مرة أخرى كما لو أنها استعادت الشباب مجدداً". لا فرق هنا إنْ كان عمر الفرد 50 عاماً أو 75 عاماً، كما يقول سنكلير، أو إنْ كان الوضع الصحي جيداً أم منهكاً بالمرض، فبمجرد انطلاق العمليَّة المذكورة سيستعيد الجسم ذاكرته ويعرف كيف يجدد نفسه ويستعيد شبابه حتى لو كان قد أوغل في السن ونال منه المرض. لا نعلم بعد ما هو ذلك السوفت وير بعد ولكننا في هذه المرحلة قادرون على تشغيل المفتاح، على حد تعبير سنكلير.

بدأ سنكلير بحثه عن ذلك المفتاح وهو في عام تخرجه، ولاجل اختبار نظريته ابتدأ بمحاولة تعجيل عملية الشيخوخة لدى الفئران من دون التسبب لها بحدوث طفرات جينية او إصابة بمرض السرطان. وبمساعدة علماء آخرين تمكن مع فريقه في جامعة هارفارد من احداث الشيخوخة في انسجة الدماغ والعينين والجلد والكلى لدى فئرانه. كان عمر تلك الفئران عاماً واحداً ولكنها كانت تبدو وتتصرف كما لو ان اعمارها ضعفي ذلك.

بعد ذلك آن أوان عكس العملية. ولهذا الغرض ابتكر خبير علم الوراثة "يوانتشنغ لو" في مختبر سنكلير مزيجاً معيناً من خلايا جلد انسان بالغ اعيدت برمجتها لكي تتصرف كخلايا جينية او خلايا جذعية، اي لديها القدرة على التطور لتصبح اي خلية من خلايا الجسم.

حقن هذا المزيج في خلايا العقدة الشبكية في مؤخرة عين الفأر الأعمى ثم نشطت بتعريضها لمضادات حيوية خاصة، فلم تلبث تلك الفئران ان استعادت بصرها. بعد ذلك انتقل الفريق الى معالجة خلايا الدماغ والعضلات والكلى فعادت كلها الى مستويات أكثر شباباً، وفقاً للدراسة.

لا يزال امام سنكلير وفريقه طريق طويل قبل ان يتمكن من معالجة خلايا الجسم برمتها، وليس بعض الاعضاء فحسب. الشيء الذي تأكد حتى الان، كما يقول سنكلير، هو ان عودة الشباب ممكنة ومن الممكن ان تشمل الجسم بأكمله لتجعله يعيش عمراً اطول.يعتقد سنكلير أنَّ بالإمكان إعادة عكس عمليَّة الشيخوخة أكثر من مرة متتالية، وهو يعمل حالياً على اختبار اعادة عقارب الساعة الى الوراء في القردة. ولكنَّ عقوداً قد تمر قبل البدء بأية محاولات على الانسان وتحليل نتائجها والتأكد من أنَّها آمنة وناجحة قبل التطبيق.

الى ذلك الحين ينصحنا سنكلير بانتهاج نظام صحي في حياتنا لأنَّ ذلك من شأنه إبطاء عملية الشيخوخة أيضاً. خلاصة ما في الأمر، كما يقول سنكلير، أنْ نركز على تناول الأطعمة النباتية وتقليل عدد الوجبات في يومنا وأخذ قسطٍ وافٍ من النوم وتعريض أنفسنا للإجهاد لمدة 10 دقائق ثلاث مرات في الأسبوع لتمرين عضلاتنا وأنْ ننعم بصحبة طيبة فيمن حولنا.


عن موقع وكالة "سي أن أن" الاخبارية