نيتشه والمرأة

ثقافة 2023/01/18
...

كمال عبد الرحمن

كلّ حرف قاله الفيلسوف الألماني نيتشه (1844ــ 1900)، وكلّ رأي، وكلّ نظرية، وكل شيء في حياة هذا الفيلسوف القدير، هو أمر قابل للتأويل، وهذا رأي اعتمده التفكيكيون في «الأثر واكتشاف المعاني الجديدة للأشياء» ولنضرب على ذلك مثالين، الأول (موت الإله) والثاني (كرهه وعداوته للمرأة)، فقد اختلفت آراء النقاد والباحثين في غايته من هذين القولين:

• موت الإله: انقسم أصحاب الرأي والاختصاص على قسمين، الأول (قال: إنَّ نيتشه يعني ما يقول حرفياً: أي إنَّ الإنسان المثالي “السوبرمان” قادر على القيام بدور الإله، فانتفت الحاجة إلى إله)، والثاني (قال: ليس هذا المقصود، بل بسبب كثرة الحروب والكوارث والفواجع بين أبناء البشر، فقد قال نيتشه: “مات الإله” وهو يقصد مات العدل والرحمة وهما من صفات الإله).


• كرهه وحقده على النساء: لا شك أنَّ محنة نيتشه لا حدود لها في وحدته القاسية وعزلته، في تأويل أفكاره وما يتناسب وأهدافاً معينة، ووفق سياق المعرفة التي أنتجها عن ذاته، وقراءته للفكر السابق من تاريخ الفلسفة، وتباشير المستقبل الذي بشر به في أفق ميلاد الإنسان الأعلى صانع القيم.

وهي محنة ــ كما يرى ويخاف ــــ أن تتحول أفكاره للفهم المغلوط عندما يتم توظيفها لغايات وأهداف سياسية وإيديولوجية وترجمتها بما يخدم جهات معينة، تُخرجها عن السياق والفهم الصحيح، ومع هذا فقد كان غامضاً في تعامله مع المرأة (حتى الأخت المخلصة التي وقفت إلى جانبه أيام مرضه)، كان شعوره إزاءها غير مفهوم، فهو يشتم المرأة في الصباح، ويقول (أنتَ ذاهب إلى النساء.. لا تنسَ أن تأخذ معك السوط)، ثم يعود في المساء ليعلن وقوفه إلى جانبها وأنه من دعاة حصول المرأة على حقوقها، وعلى ذلك يمكن أن نوضح الآراء المختلفة حول عدائه وكرهه للمرأة على النحو الآتي:


• نيتشه فيلسوف كبير وعالم قدير، ولعله كان يفكر بامرأة فيلسوفة مهمة صاحبة كبرياء وشخصية قوية تشبه شخصيته، لتكون الزوجة أو الصديقة أو الحبيبة، وفي الحقيقة لم يقترب حلم نيتشه هذا من التحقيق إلا من خلال شخصية امرأة واحدة هي “الحسناء الروسية لو أندرياس سالومي “الشابة العبقرية الماكرة التي كانت معتزة بنفسها، وهي لا ترغب في الرجال الطامعين بجمالها، رغم أنَّ ما كتبت عن نيتشه من أفكار ووصف دقيق دليل على محبتها لأفكاره وإعجابها بذكائه، لكنها لم تبادله المشاعر نفسها، كما رفضت “ماتيلدا” أيضاً الزواج به بسبب آرائه المتطرفة عن المرأة، وكان هو يضرب الأمثلة على ضعف المرأة وعدم قدرتها على فهم الفيلسوف، ومن ثم ترفض الزواج به، فهذا كما يراه مُتأتٍ من قلة وعيها وهزال شخصيتها، ثم يكيل للنساء ألوان الشتائم والتحقير والتصغير، ويعود بعد ذلك ليقف إلى جانبها ويدعي الدفاع عنها، وهذا ما خلق ازدواجية في أفكاره هذه، وجعل النساء ينفرن منه ومن قبول الزواج به.

• ومن الآراء التي تحدثت عن علاقة نيتشه بالمرأة من يقول (النساء اللواتي عرفن نيتشه كن بالفعل يرغبن في صداقته ويعجبن بأفكاره الفلسفية، لكن لا يرغبن في الزواج به، وعندما يصرح أنَّ المرأة كائن غير قادر على الصداقة أو أنها نصف البشرية الضعيف والمضطرب وصفات أخرى) فإنَّ هذا يكون سبباً كافياً للمرأة أن تعجب به وبأفكاره من بعيد إلى بعيد، دون أن تكون قريبة أو لصيقة به بأي نوع من أنواع العلاقات، وربما أحست النساء بأنَّ شيئاً في رأسه لا يسمح للمرأة بالاقتراب منه أكثر من اللازم.


• وهناك رأي يقول إنَّ نيتشه يقف إلى جانب المرأة ويدافع عن حقوقها، وهو يضرب مثلاً على “زوجة الفيلسوف سقراط” هي على حق، والمخطئ هو سقراط الذي حوّل بيته إلى جحيم كما يقول نيتشه، وكانت زوجته أيضاً تقول عنه إنه “رجل غير مسؤول”، لذلك فالحق مع المرأة، وهنا نذكر أنَّ عدداً من الفلاسفة قد أقاموا علاقات جيدة مع النساء سواء كانت الأم أو الأخت أو العشيقة كما فعل “سارتر” مثلاً.


• كانت نوايا وأفكار نيتشه منصبة بوضوح حول كرهه للمرأة وحقده عليها واحتقاره لها:


• قال نيتشه: إنَّ ((حب المرأة ينطوي على تعسف وعمى البصيرة عن كل ما لا تحبه... المرأة كائن غير قادر على الصداقة: فهي لا تزال كالقطط، أو الطيور، أو الأبقار على أفضل الأحوال... (كتاب «هكذا تكلم زرادشت» - باب “الصديق»).


• وقال: ((المرأة نصف البشرية الضعيف، المضطرب، المُتقلِّب، المتلوّن... إنها بحاجة إلى ديانة للضعف تقدس الضعفاء، والمحبين، والمتواضعين: أو لعلها تحول القوي إلى ضعيف- وتنتصر عندما تنجح في التغلب على القوي... لقد تآمرت المرأة دوماً مع جميع صور الانحلال ضد الرجال «الأقوياء» -- (كتاب «إرادة القوة» - 864).

والخلاصة أنَّ نيتشه يذكرنا بـ”السياب” الذي كان قليل الحظ في علاقاته مع النساء مع إعجابهن الكبير بأشعاره، وفيلسوفنا، كان في الأصل يعيش حياة انعزالية، ولديه ما يسمى بـ”نظرية أو فكرة المؤامرة” فهو يتصور الناس كلها تتآمر ضده، وهم يسرقون آراءه وأفكاره ويقلبون معانيها إلى الضد مما يقصده هو فيها، كذلك كان يظن أنه محبوب النساء، لأنه فيلسوف كبير ومهم، فينبغي لهن أن يظهرن له آيات الطاعة وتقديم الولاء، ولكن الأمر كان غير ذلك، فقد كانت النساء تنفر منه لحدة آرائه وتطرفها في الحياة، وبخاصة ما يخص المرأة، فهو الذي قال: “أنت ذاهب إلى النساء.. إذاً لا تنس أن تأخذ معك السوط”، وهذه الإهانة هي منتهى التحقير للمرأة.

وإذا راجعنا أقوال الفلاسفة القدماء، نجد أنها كانت المصدر الحقيقي لكره نيتشه للمرأة:


• يقول أرسطو: إنَّ ((المرأة لا تصلح إلا للإنجاب، ولا يمكنها أن تمارس الفضائل الأخلاقية مثل الرجل، فهي مجرد مخلوق مشوه أنتجته الطبيعة)).


• ويرى أفلاطون، صاحب كتاب “الجمهورية”، والمعروف بمدينته الفاضلة؛ أنَّ ((المرأة أدنى من الرجل في العقل والفضيلة، وكان يأسف أنه ابن امرأة، ويزدري أُمّه لأنها أنثى!)).


• أما مُعلّمهم سقراط،، فكان يرى أنَّ ((المرأة مثل الشجرة المسمومة التي يكون ظاهرها جميلاً، لكنّ الطيور تموت عندما تأكل منها().

فهل جاء نيتشه بآرائه عن المرأة منهم أو تأثر بهم، أو أنَّ هذا هو رأيه الخاص من خلال تجاربه الشخصية في الحياة.. هذا هو السؤال.