السياسة ودوائر الخطر

قضايا عربية ودولية 2023/01/21
...

علي حسن الفواز


التوسّع في دوائر الحرب يعني الفشل في إدارة السياسة، لأنَّ الحرب في جوهرها قناع للسياسة، وهذا ما يدفع البعض إلى رهانات تكشف عن أزماتهم الداخليَّة، وعن أوهامهم بأنَّ صناعة الحرب، والتلويح بالخطر يعنيان إعادة توصيف سياسة الهيمنة، على مستوى الجغرافيا والثروات، أو على مستوى فرضية الإيديولوجيا المسلحة.

ما يحدث في الشرق الآسيوي ينذر بخطر كبير، فحلفاء الولايات المتحدة: كوريا- اليابان- تايوان- يبحثون عن خنادق جديدة لصراعهم السياسي مع الصين ومع كوريا الشمالية، وهذا ما يفترض تحويل السياسة إلى مشاجب أسلحة، وتحويل اقتصاد الرفاهية إلى اقتصاد حرب، وصولاً إلى تغيير بعض "الدساتير" التي تمنع الذهاب إلى الحروب، مقابل وضع دول أخرى في دائرة الحرج، مثل سنغافورة، ماليزيا، تايلند، والتي تجد في هذه الخيارات نوعاً من الذهاب إلى الجحيم.

كوريا الجنوبية، تجد في "الشطر الشمالي" النووي خطراً يهدد وجودها، وتجد في الصين خصماً إيديولوجياً يقوّض نظامها الاقتصادي، ويهدد علاقتها الحمائية بالولايات المتحدة، وهو ما يدفعها إلى خيارات صعبة، أولها الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، والذهاب إلى الحصول على السلاح النووي، كضدٍ نوعي لجارتها النووية، وثانيها التضخّم المُحتمل لميزانيتها العسكرية، وثالثها تحويل المزاج الكوري الشعري إلى مزاج حاد، يؤمن بسرديات سحق الآخر، وليس التواصل معه.

اليابان، الدولة الخاسرة في الحرب العالمية الثانية، تحوّلت من تابع أميركي، إلى قوة اقتصادية رأسمالية كبيرة، دستورها يمنع تشكيل جيش للحرب، وللذهاب إلى صناعة الأسلحة، لكن ما يجري في جوارها، وتحت يافطة حماية التحالف مع أميركا، قد يدفع بها إلى تغيير الدستور السلمي، وإلى الرهان على العسكرة، وربما الدخول في الترسانة النووية، وهذا بطبيعة الحال سيكون سبباً في توسيع دائرة الخطر في منطقة مسكونة بأشباح الماضية المحاربة.

تايوان "البلد" الذي يبحث عن هوية، وعن وجود سياسي دولي، يجد في التحالف الستراتيجي مع الولايات المتحدة خياراً للحماية، ولمواجهة "التنين الصيني" الذي يجد بأنَّ تايوان جزء من الصين الكبرى، وأنَّ السياسات الأميركية في المنطقة، تُعدّ تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية، وفي خلق صراعات وأخطار قد تدفع إلى تغذية الاستعدادات لحرب إقليمية، وربما عالمية، وهو ما يدفع "التايوانيين" إلى تسويغ حديث المواجهة، بوصفه السياسي والإيديولوجي، عبر توسيع مديات التحالف مع أميركا، ومضاعفة الإنفاق عبر شراء المزيد من الأسلحة النوعية، والتي سيُهدد نظامها الاقتصادي الذي يعاني أزمات عميقة.