بغداد: هدى العزاوي
أثبتت الجماهير العراقية خلال بطولة "خليجي 25" توحدها تحت راية الوطن فقط، نابذة وراء ظهورها كل مصطلحات التفرقة الطائفية والقومية والعرقية التي اعتادت أركان الطبقة السياسية في البلاد إطلاقها في أحاديثها وخطاباتها، وهو ما دعا خبراء ومراقبين لتوجيه رسالة إلى السياسيين من أجل تغيير تلك الخطابات المفرقة لأبناء الشعب وتوجيه البوصلة نحو الوطن والمواطنة كقيم عليا بعيداً عن تلك المصطلحات التي تختتم عادة بعبارة (الشعب العراقي بكافة أديانه وطوائفه وقومياته). وقال خبير التنمية البشرية والإعلام الرقمي، الدكتور محمد أكرم آل جعفر، في حديث لـ"الصباح": إنه "ليس بغريب ما حدث في (خليجي 25) من إذكاء الشعب العراقي لمفهوم حب الوطن والمواطنة الصالحة، فالعراقي على مر التاريخ ومن جميع الأزمان كان عاشقاً وفياً مخلصاً مدافعاً عن أرضه وترابه باذلاً روحه لأجل وطنه"، مبيناً أن "ما أظهره العراقيون من كرم وحفاوة واستقبال وطيبة وترحيب كبير بالضيوف من الأشقاء العرب؛ جزء أساس من الموروث الشعبي الأخلاقي العراقي المتوارث على مر العصور، وليس حالة جديدة أو نادرة أو طارئة، فهذا العراق وهذه صورة شعبه، ولا وجود لادعاءات قومية أو دينية أو طائفية، فالكل تحت خيمة العراق الواحد". ووجه آل جعفر رسالة إلى من وصفهم بـ"دعاة الانتماءات بشتى عناوينها ومسمياتها": "ألم يحن الوقت لمراجعة أنفسكم وضمائركم؟ والإيثار بالنفس وتبني مبدأ الوطن والمواطنة الصالحة والانتماء لأرض وشعب العراق والترفع عن المسميات البغيضة بعناوين الفرقة وشق الصفوف، وترك البغضاء والصراعات والنزاعات وترك الشعارات الواهمة ونشر المحبة واللحمة الوطنية عبر المبادئ والقيم العراقية الأصيلة والشروع بالتطبيق الفوري لأجل العراق". من جانبه، أشار رئيس "مركز الشرق للدراسات الستراتيجية والمعلومات"، علي مهدي الأعرجي، في حديث لـ"الصباح"، إلى أن "الأمر لا يتعلق بحادثة أو مناسبة كي نطلب من صناع الحدث التخلي أو الابتعاد عن مفردات ذات وقع وهدف سياسي، لأنها وفي اختصار تعتبر مصدر ديمومتهم في البقاء والاستمرار في الحكم".
وأوضح أن "العزف على مفاصل التركيبة الاجتماعية في العراق يجعل من البيت الوطني أشبه بشبكة عنكبوت تملك أكثر من عقدة ومفصل ارتباط وجميعها تعاني من الوهن والضعف في التماسك والثبات". وبين أن "الطبقة السياسية تعتاش على مفردات التمزيق والتجزئة، لذلك من الصعب جداً أن نسمع مفردة العراق بتجرد بعيد عن الصوت الطائفي أو القومي أو المذهبي"، منبهاً بأن "هذا الأمر لا يقف عند جانب التمثيل السياسي فقط بل إن صنّاع الإعلام لهم تأثير في تكوين الرأي العام، وبذلك يتشاطر الإعلام والساسة في نفس الخط من أجل استمرار المصلحة الخاصة".
ورأى الأعرجي أن "جميع الأطراف السياسية في العراق ينتمون إلى (المدرسة الميكافيلية) ويعطون المبررات لأفعالهم من أجل الوصول إلى مبتغاهم، وبذلك فمن غير الممكن أن نطالبهم كشعب بأن يغادروا مساحتهم وأن يذهبوا إلى الفضاء الوطني"، عادّاً أن "بطولة (خليجي 25) لم تعكس صورة وطنية عن المنتظم السياسي أو الإعلام، بقدر ما هي رسالة محبة وسلام بين الشعوب وليس للساسة وإعلامهم أي مكان يذكر فيها".
أما رئيس رابطة الإعلاميين الشباب، علي الوادي، فبين في حديث لـ"الصباح": أن "حضارة وادي الرافدين التاريخية العريقة بمكوناتها القديمة والحديثة ساعدت العراق على ائتلافه بتركيبة متعددة الأعراق والأديان والطوائف والقوميات التي تعطي قيمة جمالية مضافة للبلاد مع تعدد ديني ومذهبي، أو ثقافي ولغوي، أو اجتماعي قبلي وعائلي وعشائري"، مشيراً إلى أن "السياسة العراقية هي التي أطلقت مصطلحات طائفية عرقية للاستفادة من التمثيل في النظام السياسي التشريعي أو التنفيذي"، مبدياً أسفه من أن يكون "الإعلام العراقي إحدى الركائز التي استخدمتها الأحزاب بإطلاق وتداول مصطلحات طائفية تساعد على تفرقة البلاد وتحويل المجتمع العراقي إلى مذاهب وقوميات".
وأضاف: "اليوم بعد فوز المنتخب العراقي ببطولة (خليجي 25) التي أثبتت توحد اللحمة العراقية وتعالي صوت المواطنة الحقيقية التي دثرتها الحروب والصراعات والإرهاب، يجب التطلع إلى أن تقوم مبادئ المواطنة والتنمية المستدامة والعدالة مقام المصطلحات المفرقة، وضرورة تطوير النخبة السياسية والحاكمة في العراق للغتها وأدائها من خلال إيجاد الفاعلية السياسية والقدرة على بناء نوع من التوافق السياسي"، داعياً إلى "إصدار قانون أو تعليمات للمؤسسات الإعلامية تمنع مداولة أو مناقشة المصطلحات على أساس الهويات الطائفية واعتماد القيم المدنية بدلها".
تحرير: محمد الأنصاري