حسن العاني
أيام لها طعم الشهد على اللسان، ونكهة الفرح على الروح، هي حقاً أيام خليجي 25، لأنها فرصة ظلت غائبة عن العراق عشرات السنين، وجمالها لا يكمن فقط في مظهرها الرياضي المتألق، إعداداً وتنظيماً ونجاحاً، بل قبل ذلك، وربما أهم من ذلك، يكمن في الحضور العراقي وفاعليته على رأب الصدع، ورفع الحواجز والمطبات المفتعلة بين بلدان الخليج وحكوماتها بعد أن فعلت السياسة ما فعلت من جفوة في بعض الأحيان، ومن أضغان في أحيان أخرى، وليس وراء الجفوة والأضغان سوى السياسة!.
الحضور العراقي المتميز في هذا التجمع الاستثنائي الذي أُقيم على أرضه، يمثل الصورة الحقيقية لدوره الذي اختفى كل هذه السنين البعيدة، وأشهد أنها صورة أبلت فيها المؤسسات الرسمية بلاء حسناً، ولكن الشعب – ممثلٌ بعموم العراقيين وبأهل البصرة خصوصاً، مضايف وبيوتاً وشيوخاً وأغنياء وفقراء ونساء ورجالاً – هو من مسح غبار الإهمال عن وجه بلاد الرافدين وتاريخها وطيبتها وكرمها.
مئات الآلاف الذين قدموا من الموصل وكردستان وبابل وبغداد ومن مدن الوطن العظيم، كانوا يتدافعون، ويصفقون لتمريرة ذكية أو هدف جميل تحرزه اليمن، أو قطر، أو البحرين، أو السعودية أو...، خليجي 25 تسابق فيها الملايين للحضور، لم يمنعهم برد ولا مطر، ولم يسألوا عن سكن يأويهم أو رغيف خبز يسد جوعهم، وربما اقترض أغلبهم أجرة الطريق. تلك الحشود – يوم غابت السياسة وإرادات السياسيين عنها – هرعت إلى البصرة مغمورة بانتشائها من دون أن تنظر إلى تنوع أديانها ومذاهبها وقومياتها ومناطقها، هم عراقيون وكفى، كانوا أيام الانتخابات التي تقودها السياسة وإرادة السياسيين، يذهبون إلى مراكز الاقتراع، وهم مثقلون بانتمائهم الأثني، أو الحزبي، أو الطائفي، أو العشائري. هم في البصرة شعب آخر استطاع التحرر من الكيد الذي طالما تم التخطيط له من جيوب ضاقت بالدولارات، على حساب جيوب خاوية حتى من الدنانير. في خليجي 25 اكتشف الكل ماذا تعني إرادة العراق، وأين يقف على المسرح الإنساني، خليجي 25 شهادة الأشقاء الجديدة القديمة، والقديمة الجديدة على سمو العراق شعباً وأرضاً وتاريخاً، خليجي 25 انتفاضة ضد الخصوصيات الضيقة، وثورة لبناء الصروح الحضارية، وصحوة بعد غفوة، ورأيت كما رأى أولادي وأحفادي وبنياتي وحبيباتي، وكما رأى الجميع، أن خليجي 25 أنقذهم من لغاوي المحللين السياسيين – إلا من رحم ربي – وانتقلت حوارات الناس من لغة الدولار وأزمته المستعصية، وارتفاع الأسعار التي بدأت تقضم أجساد الناس أكثر مما هي مقضومة، إلى لغة الألفة والمحبة والوحدة العراقية التي بها وحدها يستعيد العراق عافيته وصوته وجماله مثلما استعادها على أرض الفيحاء، بصرة التألق والعطاء والأمل المرتجى.