الدولار وذكرياته السلبيَّة

آراء 2023/01/28
...

 كاظم الحسن 

يرتبط انهيار الاقتصاد العراقي في ثمانينات القرن الماضي، بالحروب المتوالية وقرينها الحصار سيئ الصيت وانخفاض قيمة العملة العراقية، بشكل متسلسل وتلاشي القدرة الشرائية للمواطن العراقي وتصدع الطبقة الوسطى، ناهيك عن الخراب والدمار والموت، الذي لحق بالبلد بشكل شامل وعنيف، بسبب السياسات الطائشة والرعناء للنظام المنحل، فكانت الذكريات المرتبطة بالدولار مريرة ومؤلمة، فتحول لونه الاخضر البراق إلى سواد يجثم على صدور العراقيين، حتى أصبح الدولار يختزن صوراً قاسية وحزينة في النفوس، وهو ليس سيئاً بذاته، ولكن السياسات الخاطئة للحكومات، تؤدي إلى أضرار كارثية للاقتصاد وتترتب على ذلك أعباء وأثقال على معيشة الناس وحياتهم وقد يؤدي ذلك إلى حدوث ردود افعال، تقترب من الانتفاضة أو الثورة على الواقع المر والمزري الذي يمر به الشعب، ولذلك لا بد من اجراءات فعلية وملموسة من قبل الحكومة، لتخفيف الضغوط على كاهل المواطن، ولا يكفي بيع الدولار بسعره السابق في المطار للمسافرين، للسيطرة على حمى التصاعد المستمر للدولار على حساب العملة العراقية، لأن السلع الغذائية والعقارات مرتهنة بالسوق السوداء، ولا تتأثر بهذه الاجراءات العرضية، التي لا تتناسب مع هذا الجموح الهائل للدولار، وهي تدابير خجولة من باب اسقاط الفرض.

نعلم أن الارتفاع السابق للدولار، كان بفعل قرار حكومة الكاظمي السابقة، وقد ادت هذه الخطوة غير المبررة، ليس إلى ارتفاع السلع في جميع انواعه فحسب، بل أصاب قطاع العقارات بمقتل، فقد قفز الدولار 25 نمرة وتسبب في خلخلة السوق. 

ويذكر أن البنك المركزي أعلن في 19 كانون الاول 2020، رسميا عن تعديل سعر صرف الدولار الأميركي، ليكون 145 ألف دينار، مقابل كل 100 دولار، وفقا للموازنة العامة للدولة لعام 2021، التي اقرها مجلس  النواب. 

إلا أن القفزة الثانية للدولار وهي مفاجئة، جاءت بعد الضوابط التي فرضها الاحتياطي الفيدرالي الاميركي، على البنك المركزي العراقي وقد يكون هذا الارتفاع للدولار وهو غير مبرر اسبابه، مفتعل ومصطنع، غايته المضاربات بين التجار أو مخاوف ليست في مكانها. 

ومن المعروف أن البنك المركزي، دخل في مفاوضات مع الاحتياطي الفيدرالي الاميركي، منذ عامين، لتفعيل المنصة الالكترونية وكان من المفترض التحوط والاستعداد من قبل الحكومة، لمثل هكذا اجراء، قبل حدوث صدمة اقتصادية غير محسوبة.

واذا علمنا، أن الاقتصاد العراقي يقف خلفه، احتياطي نقدي عالي المستوى، قادر على تجاوز الصدمات والعثرات التي تواجهه، من هنا أو هناك، وأعتقد أن الأوضاع الاقتصادية، سوف تعود إلى ماكانت عليه، بعد أن تذهب سكرة التجار وتعود إليهم الفكرة والرشد والصحوة، ولو بعد حين.

هذه التجربة الأليمة، التي أصابت السوق، وأحدثت فيها الكثير من الخسارات للمواطن، وأضعفت الثقة بالدولة، ينبغي على الحكومة التحسب لقادم الايام، من أجل السيطرة على السوق والتعامل بمرونة وحزم عند الحاجة، لتوفير الأمن الاقتصادي، الذي هو قرين الاستقرار السياسي