فارس حامد عبد الكريم *
معالجة الفقر تتطلب تشريعات متنوعة، وباختصار هناك طريقان للمعالجات:
الأول: طريق تشريعات تشجع التنمية والاستثمار، وتعاقب على استغلال الفقراء وأطفالهم في اعمال تتضمن معنى العبودية لساعات طويلة وبأجور بخسة، ومراحلها قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد، وتتم عن طريق تشريعات تخصص أغلب ميزانية الدولة للتنمية في مختلف انحاء البلد
وتمنع أو تخفض الاستيراد إلى أدنى مستوى وفي إطار الحاجات الملحة، وتشريعات تشجع المنتج الوطني، ومنع التعامل بالعملات الأجنبية إلا بوساطة البنوك الوطنية المركزية ورقابتها، منعاً للتضارب في العملة في سوق العرض والطلب وتأثير ذلك سلباً على ذوي الدخل المحدود.
إيجابياتها؛ إنها تتوافق مع المقولة السائدة في أدبيات الفكر الاقتصادي الغربي ومفادها (لا تعطني سمكة، بل اعطني سنارة وعلمني صيد الأسماك).
آثارها وسلبياتها: إنها تتعارض مع السياسات الغربية في فتح الأسواق أمام منتجاتها، فتخلق أزمات وتُسقط حكومات من اجل منع هكذا سياسات وطنية.
كما أنها لا ترفع الفقر بشكل على المدى القصير، فتسبب في احتجاجات شعبية قوية، التي تطالب بتحسين ظروف المعيشة.
ويؤكد عدد من الباحثين أن أهم سبب لما حل بالعائلة المالكة العراقية من مأساة يعود إلى اعتمادها على هذا الطريق التنموي وتأسيسها لمجلس الإعمار، الذي خصصت له معظم ميزانية الدولة، فلم يلاحظ الناس رفاهاً فورياً للفرد مما عزز السخط الدولي والشعبي ضدها
الطريق الثاني: وهو طريق السياسة الليبرالية الواقعية، حيث تعمد الدولة، ومن خلال تشريعات وأنظمة مالية، إلى زيادة رواتب وأجور الموظفين والعمال بشكل مبالغ به، فضلاً عن اطلاق التعيين في الوظائف الحكومية (بطالة مقنعة)، وتشريعات تشجع الاستيراد واغراق السوق المحلية بالسلع الاستهلاكية الفاخرة الكمالية، بينما يهمل جانب التنمية جزئياً ويترك في الغالب للقطاع الخاص.
ومثاله دول الخليج العربي، التي اعتمدت سياسات وتشريعات تهدف إلى الرفاه الاجتماعي العام وإغراق السوق بالسلع المستوردة والفاخرة، حيث فتح الاقتصاد امام الأسواق الغربية، رغم انتباههم لهذه الحالة في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، خشية نضوب النفط، ومن ثم تشجيع الاستثمار في المجال السياحي ونوعاً ما في الجانب
الصناعي.
مما منح الحكومات الخليجية استقراراً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فلا احتجاجات ولا تظاهرات بالنظر لقوة القدرة الشرائية، ولكن يواجه هذا الحل نضوب النفط مستقبلاً.
وكلا الطريقين يرتبطان بمعالجة التضخم، مما يقودنا إلى النظر إلى كيفية معالجة الفقر ازاء هذه المعضلة التي ارتبطت تاريخياً بالثورات الشعبية.
بالنسبة للطريقة الأولى: فإن معالجة التضخم هنا قد تكون عن طريق تشريعات قد تتسبب بمشكلات اكثر مما تقود إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي، فإذا تمت معالجته عن طريق رفع قيمة العملة الصعبة لسحب اكثر كمية ممكنة من العملة الوطنية من السوق، فإن ذلك يقود حتماً إلى ارتفاع اسعار السلع والخدمات في البلد.
كما أن سياسة تعويم العملة بشكليها الخالص والموجه، قد تقود إلى مخاطر غير محسوبة خاصة إذا ارتبط ذلك بتهريب العملة وغسيل الأموال.
كما أن رفع رواتب وأجور الموظفين لمواجهة التضخم، سيؤدي إلى زيادة الاجور في القطاع الخاص مما يحدو بالتجار إلى زيادة اسعار السلع والخدمات لتغطية زيادة تكاليف الإنتاج.
اما اذا تم الاقتراض من البنك الدولي فإن ذلك يقود إلى فتح باب التدخل في السياسة الاقتصادية وفرض شروط قاسية شبه ملزمة مما يتسبب في زيادة الفقر إلى أعلى المستويات، وأغلب ثورات الربيع العربي خرجت من هذا الباب، باب قسوة شروط المقرضين والبنك الدولي.
الحل الجذري
هو اعتماد الطريق الأول (مجلس الإعمار) مع تشجيع القطاع الخاص وتشريع قوانين ميسرة للاستثمار المحلي والأجنبي، وتبني سياسة وطنية للتخفيف من الفقر، ومنها منح قروض ميسرة للمشاريع الشبابية في مجالات تخدم التنمية الصناعية والزراعية وقروض البناء والزواج وغير ذلك من تسهيلات.
ما يجمع بين التنمية المستدامة والرفاه الاجتماعي، من خلال المشاركة بين القطاعين العام والخاص، وهو ما تحقق لدى ما يعرف اليوم بمصطلح (دول العمالقة الآسيويين)، التي حققت قفزات صناعية واجتماعية هائلة، ابتدأت مع مطلع ثمانينيات القرن الماضي، من خلال تشريعات وطنية ميسرة جلبت الاستثمارات في كل المجالات، فبنيت المصانع الكبرى (امتياز) والمتاجر الكبرى والفنادق والمنتجعات السياحية الضخمة (استثمار أجنبي)، التي تجلب سنوياً ملايين السياح، ومعها الملايين من العملات الصعبة.
*النائب الأسبق لرئيس هيئة النزاهة الاتحادية