السوداني وماكرون يوقّعان اتفاقية الشراكة الستراتيجية بين العراق وفرنسا

العراق 2023/01/28
...

 بغداد: محمد الأنصاري


وقّع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه بالعاصمة باريس، مساء أمس الأول الخميس، "اتفاقية الشراكة الستراتيجية بين العراق وفرنسا"، والتي تعد الأولى من نوعها بعد العام 2003 وهي أشمل اتفاق بين البلدين منذ العام 1968، وتتضمن الاتفاقية المكونة من 4 فصول 50 مادة تشمل التعاون في مجالات مختلفة كالاقتصاد والطاقة والتجارة والتعليم والخدمات وإعمار البنى التحتية وغيرها من المجالات المهمة.

وذكر بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، أنَّ السوداني التقى في قصر الإليزيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته الرسمية التي أجراها إلى باريس، وشهد اللقاء بحث العلاقات الثنائية بين البلدين، ومناقشة عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، فضلاً عن بحث عدد من ملفات التعاون المشترك في عدد من القطاعات الحيوية. 

وجرت عقب اللقاء مراسم توقيع اتفاقية الشراكة الستراتيجية بين العراق وفرنسا، التي انطوت على محاور متعددة في المجالات الاقتصادية والأمنية ومكافحة الإرهاب والتطرّف، والتبادل الثقافي، فضلاً عن محاور أخرى تتعلق بإدارة الأزمات ومكافحة الجريمة الاقتصادية والجريمة المنظمة، وفي حماية البيئة وتعزيز حقوق الإنسان والتعليم.

وقال السوداني في تغريدة على "تويتر": "وقّعنا أنا والصديق ماكرون اتفاقية الشراكة الستراتيجية، التي تضع خارطة طريق لتوسيع أفق التعاون بين بلدينا، في مختلف المجالات"، وأضاف، "سنواصل العمل مع الأصدقاء من أجل شراكات جادّة تضمن للعراق تحقيق الإصلاح الاقتصادي والتنمية المستدامة، كما رسمنا وخطّطنا في البرنامج الحكومي".

في المقابل، ذكر قصر الإليزيه في بيان أنَّه "تم توقيع اتفاقية الشراكة الستراتيجية بين العراق وفرنسا على هامش الزيارة الرسمية التي يقوم بها رئيس وزراء العراق محمد السوداني إلى فرنسا يومي 26 و27 كانون الثاني الجاري بدعوة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون"، مشيراً إلى أنَّ "فرنسا والعراق جددا التأكيد بهذه الاتفاقية على ثراء وتنوع الشراكة بينهما".

وأكّد البيان الفرنسي "على رغبة ماكرون والسوداني برفع مستوى التعاون الفرنسي العراقي بما يعود بالنفع على وصول جميع العراقيين إلى خدمات الطاقة العامة والنقل، وجدد الجانبان في هذا الصدد الالتزام بإنجاز المشاريع الكبرى المتعلقة بالبنية التحتية للشبكات في العراق والتي تعتمد على الخبرة الفرنسية ولا سيما المشاريع الجارية لتجديد شبكة الكهرباء العراقية".


استقبال رسمي

وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وصل عصر أمس الأول الخميس، على رأس وفد حكومي رفيع، إلى العاصمة الفرنسية باريس بدعوة رسمية من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث أجريت مراسم الاستقبال الرسمية لرئيس الوزراء في متحف الجيش الفرنسي "الانفاليد"، واستعراض حرس الشرف، وعزف النشيدين الوطنيين العراقي والفرنسي.

والتقى السوداني في مطلع الزيارة، رئيسة وزراء فرنسا إليزابيث بورن، في مقر رئاسة الوزراء، وشهد اللقاء التباحث في توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، عبر تنمية التعاون المتبادل في مجالات الطاقة والنفط واستثمار الغاز المصاحب، فضلاً عن تعزيز التعاون في مجالات النقل والثقافة وفي مجال حماية وصيانة الآثار.

وجرت بعد اللقاء مراسم توقيع مذكرة تفاهم إعلان نوايا بشأن التراث بين العراق وفرنسا، ووقّع المذكرة عن الجانب العراقي وزير الثقافة والسياحة والآثار، فيما وقّعها عن الجانب الفرنسي وزير تحوّل الطاقة الفرنسي.

كما تم توقيع مذكرة إعلان نوايا تتعلق بمستشفى سنجار، حيث وقّعها عن العراق وزير الخارجية فيما وقّعها عن الجانب الفرنسي وزير تحول الطاقة الفرنسي.


لقاء اليونسكو

كما التقى السوداني، صباح أمس الجمعة، في مقرّ إقامته بالعاصمة باريس مديرة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" اودريه ازولاي.

وتناول اللقاء سبل ترسيخ التعاون المشترك بين العراق و"اليونسكو"، وبناء شراكات لتعزيز التنمية المستدامة في قطاعات الثقافة والتعليم ومختلف مجالات العلوم.

وثمّن رئيس الوزراء مبادرة "اليونسكو" في إحياء روح الموصل وإعمار جامع النوري، والتطلع للتعاون مع المنظمة لإدراج المزيد من المواقع العراقية على لائحة التراث العالمي، والإسهام في التدريب المهني للعاملين وتطوير قطاع التربية والتعليم.

وأبدى السوداني رغبة الحكومة في التعاون مع المنظمة الأممية عبر إقامة برامج تدريبية وتطويرية للكوادر الوسطية، لتنفيذ المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بما يساعد في توفير فرص عمل للشباب في إطار خطة التنمية المستدامة، مؤكداً التطلع لأنْ يكون للعراق حضور مهم في المجلس التنفيذي لـ"اليونسكو".

من جانبها أشارت اوزلاي إلى العلاقة المتميزة مع العراق؛ لما يمثله من عمق تاريخي، وأكدت أنَّ إحياء مدينة الموصل، يشكل "أكبر عملية قادتها (اليونسكو) في العالم من حيث الحجم والأهمية"، وأكدت مديرة "اليونسكو" مضيّ المنظمة بمشروع للتدريب التقني والمهني في العراق، كما رحّبت بترشيح العراق للمجلس التنفيذي لـ"اليونسكو".


مكافحة الفساد

وفي إطار زيارة السوداني لباريس، وقّع العراق وفرنسا، أمس الجمعة، في العاصمة الفرنسية مذكرة تفاهم في مجال مكافحة الفساد، ووقّع المذكرة عن الجانب العراقي رئيس هيئة النزاهة، فيما وقّعها عن الجانب الفرنسي رئيس الوكالة الفرنسية لمكافحة الفساد.

وتضمنت المذكرة جملةً من الفقرات تتعلق بالتعاون المشترك بين البلدين في مجال مكافحة الفساد، وتبادل المعلومات والتحري عن جرائم الفساد والحدّ من انتشاره، واسترداد الأموال العراقية المسروقة والمهرّبة قبل وبعد 2003، فضلاً عن استرداد المطلوبين بقضايا الفساد، ومكافحة عمليات غسيل الأموال، وتضمنت أيضاً محاور للتعاون التقني لمنع ومكافحة الفساد، وتعزيز الخبرات، وتنمية وتحسين ستراتيجيات وسياسات مكافحة الفساد.


اتفاقية الشراكة

في غضون ذلك، كشف مصدر حكومي عراقي، عن أبرز ما تضمّنته اتفاقية الشَّراكة الستراتيجيّة التي وقعّتها الحكومتان العراقيّة والفرنسيّة خلال زيارة رئيس الوزراء محمّد شِياع السُّودانيّ إلى فرنسا، حيث ذكر المصدر، أنَّ "الاتفاقية تتكون من أربعة فصول، وست أبواب و50 مادة و64 فقرة ونقطة"، مشيراً إلى أنَّ "هذا أول اتفاق من نوعه بعد العام 2003 وهو أشمل اتفاق بين البلدين منذ العام 1968، وأنَّ هذه المرة الأولى التي يوقع فيها ماكرون على اتفاق داخل قصر الإليزيه".

وأضاف أنَّ "الاتفاق تضمن التَّعاون بين البلدين في مجال تقاسم الخبرة وتعزيز قُدرات العراق وتمكينه من تحقيق التحول الديموقراطيّ السِّلميّ وتعزيز الشَّفافيّة داخل مؤسّسات الدَّولة ومكافحة الفساد بجميع أشكاله بصورةٍ ملموسة، كما تضمن إشادة فرنسا بدور العراق في تقريب وجهات النظر بين دول المنطقة وانتهاجه سياسة العلاقات الإيجابيّة مع دول المنطقة والعالم من خلال الحوار البنّاء وحلِّ الخلافات سلمياً وتجنُّب استعمال القوة وعلى أساس الاحترام المُتبادل والمصالح المُشتركة ومبدأ عدم التدخُّل في الشؤون الداخليّة للدّول".


تعاون عسكري واستخباري وخدمي

وتابع أنَّ "الاتفاق تضمن تعزيز التَّعاون في مجال حماية البيئة ومكافحة الاحتباس الحراريّ تماشياً مع أهداف (اتفاق باريس)، والتَّعاون من أجل التَّنمية المُستدامة من خلال استعمال الموارد الطبيعيّة الصديقة للبيئة وتشكيل لجان ثنائية في مجالي الدفاع والأمن ومتابعة تنفيذ الخطط السَّنويّة للتعاون الثنائيّ الدِّفاعيّ، وتعزيز قدرات الدفاع العسكريّة العراقيّة من خلال تنمية المهارات الضروريّة، وتسهيل التزوّد بالمُعدات الحربيّة فرنسية الصُّنع بالإضافة إلى تفعيل تبادل المعلومات والاستخبارات العسكريّة بين الطرفين بما لا يخلُّ بالمصلحة الوطنيّة لكليهما".

وأشار إلى أنَّ "الاتفاق شكل أيضاً التَّعاون التقنيّ والعملياتيّ بين وزارتي الداخلية والعدل في كلا البلدين بشأن مكافحة الجريمة المنظّمة العابرة للحدود ومكافحة الاتّجار بالمُخدَّرات والبشر ومكافحة الجريمة الاقتصاديّة والماليّة ومجال متابعة القُصّر العائدين من المناطق الإرهابية ومكافحة التطرُّف في السجون في كلا البلدين، بالإضافة إلى متابعة مسائل مكافحة الهجرة غير المُنظَّمة وكذلك التَّعاون في مجالي الاقتصاد والتِّجارة وتوظيفه لخدمةِ تعزيز القُدرات وإيجادِ بيئةٍ داعمة ومؤاتية للتَّنميّة الاقتصاديّة المُستدامة، من خلال تنفيذ مشاريع مُحدَّدة ورائدة في جميع ميادين الاقتصاد: الزراعة والصِّناعة والطاقة والماء والنقل والبيئة والسياحة والاتصالات والبنى التحتيّة، ومكافحة الفساد وإصلاح القطاع المصرفيّ والجمارك، وتقديم الدعم الفرنسيّ من خلال تقديم مساعدة تقنية من مجموعة الوكالة الفرنسية للتنمية".


استثمارات وكهرباء

وذكر المصدر الحكومي العراقي، أنَّ "الاتفاق تضمن تشجيع استثمارات الشركات الفرنسيّة وتشجيع الحوكمة الرشيدة في إدارة الثروات الطبيعيّة، لاسيما الماء، وتنمية الطاقات المُتجدِّدة ورفع القُدرات التوليديّة لمحطات الطاقة الكهربائيّة، وتحسين إدارة شبكة النقل والتوزيع وصيانتها للحد من الخسائر وتطوير مشاريع التوليد وبناء محطات توليد كهرباء جديدة، والعمل على تنفيذ مشاريع استثمار الغاز المصاحب لإنتاج الكهرباء، وتنفيذ مشاريع جديدة في قطّاع المياه الصالحة للشرب والصرف الصّحيّ وتنمية المشاريع القائمة، وتعزيز قدرات الكوادر ونقل التَّقنيات المُبتكرة في قطاع معالجة المياه، والحث على تطوير الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع التَّعاون مع الشركات الفرنسيّة المُتخصِّصة في تحلية المياه وتنفيذ مشاريع معالجة المياه، وتحسين برامج المواصلات العامَّة في المدن للمساهمة في التخفيف من الانبعاثات الضارة بوساطة تنفيذ المشاريع المناسبة من خلال تنفيذ مشروع (مترو بغداد المعلق)".

وبين أنَّ "البلدين يعملان على تعزيز نشوء بيئة ملائمة للشراكات بين الشركات الفرنسيّة والعراقيّة من أجل تحديث القطاعين العام والخاص للصناعة، ويُشجِّعان تطوير القطاع الخاص من خلال دعم المشاريع العراقيّة الصغيرة والمتوسطة الحجم في جميع القطاعات، بالإضافة إلى تسهيل إجراءات السفر بين البلدين لتعزيز التَّعاون التجاريّ والاقتصاديّ والعمليّ والسِّياحيّ، ويواصل البلدان حواراً نشطاً ومُتخصِّصاً يُعنى بمجال الزراعة وتربية المواشي ويعززان الاستخدام المُستدام للأراضي الزراعيّة في العراق، وتشجيع تنمية الصِّناعات الزراعيّة وإيجاد فرص عمل فيها، وتنويع الإنتاج الزراعي، وترشيد استخدام الماء، وتطبيق أساليب الري الحديثة، وتربية المواشي من أجل تعزيز الأمن الغذائي في العراق وتقديم الخبرة الفرنسيّة في مجال بناء السدود وتحديثها، ودعم تطوير الصناعة الدوائيّة في العراق من خلال التعاون مع الشركات الفرنسيّة الكبرى في هذا القطاع، والتَّعاون في قطاع بناء المستشفيات".


شراكة في العلوم والثقافة

ولفت إلى أنَّ "الاتفاق شمل الشراكة في مجال العلوم والبحوث والثقافة من خلال تطوير الجامعات العراقية، بما يشمل تدريب الأساتذة الباحثين، وتطوير أساليب التعليم ودعم التحوّل الرقميّ والتعاون في مجال التربية والتعليم المدرسيين من خلال حركات التنقل وتبادل التجارب والبرامج التربويّة، ودعم الأساليب التربويّة الابتكاريّة، وتطوير حركات التَّنقل الطلابيّة العراقيّة نحو فرنسا من خلال برامج المنح الدراسيّة، وتشجيع برامج تبادل الطلاب والأساتذة والباحثين بين البلدين والتَّعاون في مجال الثقافة والإعلام والسياحة والآثار وتعزيز جهود العراق ومُشاركته في المبادرات الدوليّة من أجل حماية التُّراث الثَّقافيّ العراقيّ، وحماية مواقعه الأثريّة، وتحديث المتاحف العراقيّة ومساعدة العراق على استعادة تراثه المنهوب، والعمل على إعادة تأهيل المواقع الأثريّة التي دمّرتها المُنظَّمات الإرهابيّة بالتعاون مثلًا مع منظمة اليونسكو والتحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع، ورفع مهارات الكوادر المهنيّة العراقيّة في مجال التراث، وتعزيز تبادل الخبرات المهنيّة بين وسائط الإعلام الفرنسيّة والعراقيّة للصحافة المكتوبة، والتلفاز والمذياع، ودعم الإبداع في مجالات السينما والمسرح، والموسيقى والأدب، من خلال مشاركة المبدعين العراقيين في المناسبات الثقافيّة الفرنسيّة الكبيرة مثل مهرجان كان ومهرجان أفينيون، وتقديم الدعم السِّياسيّ لفتح مركز ثقافي عراقي في باريس ودعم التبادلات في مجالي الشَّباب والرياضة من خلال المُشاركة في مختلف الأنشطة الرياضيّة، والحرص على إشراك الشباب في عمليات تبادل الخبرة في مجال الرياضة، والعمل على تسهيل استصدار سمات الدخول السياحيّة لرعايا البلدين، وفقاً لتشريعاتهما الداخليّة".

وأوضح المصدر الحكومي، أنَّ "العراق وفرنسا يدركان المصالح المُشتركة التي تجمعهما في مواجهة مخاطر التَّهديدات الإرهابيّة ومكافحة التَّطرُّف، وهو ما يفرضُ تعزيز تعاونهما في مجالي الدفاع والأمن ومكافحة الإرهاب، وسعيا على إثر ذلك إلى إبرامِ مُذكَّرة تفاهم بشأن تبادل المعلومات ومُذكَّرة تفاهم متعلقة بالتعاون العسكريّ الثنائيّ بما يضمن وضعاً قانونياً وقائياً للكوادر العسكريّة 

والمدنيّة".