عامر جليل ابراهيم
يعد من شعراء الكوفة في القرن الأول الهجري، كان ذكيا حاضر الجواب منذ الصغر، كاتبا حسن الخط وخطيباً لبني أسد ومتضلعاً بالفقه وفارساً وشجاعا سخياً، حافظا للقرآن هو أبو المستهل الكميت بن زيد الأسدي، الذي يقع قبره شمال مدينة العمارة في قضاء الكميت، ويبعد عن مركز المدينة بنحو 47 كم وعن مركز قضاء الكميت 7 كم، في أرض زراعية واسعة.
{جريدة الصباح} زارت هذا المرقد وهو في طور الإعمار، والتقت الأمين الخاص للمزار السيد أحمد زاير الحميداوي للحديث عن سيرة هذه الشخصية، وتفاصيل بناء المرقد وإعماره بعد انضمامه الى الأمانة العامة للمزارات الشيعية، وشموله بحملة حشد إعمار المزارات.
عداوة كبيرة
يبيّن الأمين الخاص احمد زاير الحميداوي أن شاعر آل البيت وهو الكميت، ولد في سنة 60هـ وقيل في بعض المصادر التاريخية أن ولادته كانت أيام استشهاد الإمام الحسين (ع) أي سنة 61هـ، من أبوين فقيرين وحسب الروايات، فإنَّ عمه كان رئيس قبيلة بني أسد في وقتها، وعن استشهاده يروي الحميداوي قائلا:
" استجاب الله دعاء الإمام زين العابدين (ع) للكميت، في أن يكون موته ميتة الشهداء، اذ تمنى له أن يستشهد ونالها بالفعل في زمن خلافة بني مروان، وكان مقتله بتدبير من الوالي يوسف بن عمر الثقفي، الذي كان عدوا لآل البيت (ع) آنذاك، بل إنه عمد إلى تتبع محبيهم وتصفيتهم، وقد تحذر منه الكميت كثيرا، ولكن وصلت أشعاره إلى الوالي، وليتقي شره جاء الكميت له، لكن الأمر لم يجدِ نفعا وووفقا لحديث الحميداوي فإنه:
"لم تكن أحوال الكميت خافية على هذا الوالي، وكذلك ولاؤه لبني هاشم وعداؤه لأمية، فأضمر الوالي مسبقا نية التخلص من هذا الشاعر الأسدي المعارض للسلطة، وكان الجنود القائمون على رأس الوالي قد وضعوا سيوفهم في بطن الكميت، وأبقروها وبقيَّ ينزف الدم حتى مات.
ويمضي الحميداوي بالقول:
" استشهد الكميت سنة 126هـ وهو مخلص في عقيدته، ولم ينسَ أبدا أن يذكر بني هاشم، حتى في لحظات حياته الأخيرة، وبحسب الروايات فإن الشاعر أوصى ولده المستهل أن لا يدفنه في وقت الظهيرة، لأنه كان هناك من يقوم بإخراج الموتى ونقلهم إلى قبور أخرى، إذ حدث الكميت ولده قائلا:
" إذا مت فامضِ بي إلى موضع يقال له: "مكران" فادفني فيه، ثم توجه ابنه المستهل حاملا جثمان والده المضرج بالدماء من باب قصر الحاكم الأموي يحيط به أبناء عمومته ومحبوه، وهم باكون لفقد رمز من بني أسد، واللسان المدافع عن آل محمد (ص)، والمكرم بدعوات الأئمة والملقب بشاعر آل البيت (ع)، وقد سار المستهل وعمومته، وهم يحملون نعش الكميت، ومتوجهين إلى منطقة تعرف بـ مكران التي أوصى أن يدفنوه بها، فوصلوها وانتقى المستهل ربوة عالية قريبة من نهر دجلة، لا تبعد كثيرا عن مدن (واسط) العامرة، فحفر في وسطها وشق لأبيه قبرا، وواراه الثرى وبنى فوقه بناء، ليستدل الناس على مرقد الكميت المعروف بشاعر آل البيت (ع).
مقبرة بني أسد
ويواصل الأمين الخاص بالمرقد كلامه:
"استبشرت العشائر في محيط واسط وأطرافها بنقل جثمان الكميت إليهم، وتعاهد بنو أسد بدفن موتاهم بالقرب من قبره، حتى غلب على المقبرة عنوان (مقبرة بني اسد)، وتوالت الأعوام، وانتشرت القبور حول قبر الكميت المرتفع على الربوة، ودأب سكان واسط من محبيه على زيارته والتبرك بقبره، وكثر السكن في مكران التي يشقها نهر دجلة، ويجعلها ربيعا دائما، واستمر هذا الحال حتى زمن الدولة العباسية، حيث عدّت واسط من المدن الشهيرة آنذاك لغاية القرن السابع الهجري، حيث أهمل شأن الجانب الشرقي من واسط الذي فيه قبر الكميت، وانتقل الناس إلى الجانب الغربي الذي عمه العمران، ويبيّن الحميداوي أن المدينة بقيت محافظة على مقامها حتى القرن الثامن الهجري، وبعد هذا التاريخ قلَّ شأنها بسبب شح المياه في نهر دجلة، الذي كان يمر من هناك، ومع تقادم السنين وتبدل الحكومات، وتعاقب الأجيال أحجم بنو أسد وغيرهم عن الدفن قرب الكميت، بسبب وعورة الطرق وبعد المسافة، وتمسكهم بالدفن قرب مرقد أمير المؤمنين (ع) فهجر قبر الكميت، وشارف على الاندثار ولم يبق منه إلا ذلك المعلم أو التل الأثري الذي دفن فيه، محافظاً على اسمه " تل الكميت" لحين ضمه الى الأمانة العامة للمزارات الشيعية، حيث شمل بحشد إعمار المزارات الشيعية الشريفة.
صرح عمراني
يصف الحميداوي الأمين الخاص للمرقد تفاصيل هذا الصرح العمراني بعد ضمه الى الأمانة العامة للمزارات الشيعية حيث يقول:
سارعت الأمانة العامة للمزارات في عام 2008م و 2019م إلى وضع حجر الأساس لهذا المرقد، اذ قام القسم الهندسي في الأمانة العامة بالكشوفات والتصاميم الخاصة بالبناء، بتهيئة الأرض ووضع الأسس لهذا الصرح الإسلامي، الذي يجب أن يليق بشاعر أهل البيت الكميت بن زيد الأسدي ونصب الهيكل بمساحة 270 مترا مربعا للحضرة الشريفة، وارتفاع الهيكل 7 أمتار وتمَّ تغليفه بالطابوق، ثم وضع هيكل بقبتين داخلية وخارجية وغلفتا بالكاشي الكربلائي والنقوش والزخارف الإسلامية والآيات القرآنية، ويشير الحميداوي إلى أن القبب من الداخل مزججة بأفخر انواع الزجاج وحسب العمارة الإسلامية الحديثة المعمول بها في العتبات المقدسة، وباقي المزارات أما الارضية فمن المرمر المستورد، وتبلغ المساحة الكلية للمرقد 4 دونمات، أي ما يساوي عشرة آلاف متر مربع، وسيكون هناك سياج يحيط بالمزار من كل الجوانب على طراز اسلامي، وسيتم بناء حرم واسع وكبير، ليستوعب الزوار، فضلا عن تفاصيل اخرى سيجري الاهتمام بها، ستعكس جمالية المكان.
صرح مهم
واثناء تجوالنا في هذا الصرح الذي لم يكتمل بعد، ومستمر العمل به، التقينا مهندس المشروع التنفيذي الاستاذ مجتبى عماد عبد علي حيث حدثنا قائلاً:
تمت المباشرة بمشروع بناء مزار الكميت بن زيد الاسدي عام 2019، بعد انضمامه الى الامانة العامة للمزارات الشيعية، ويعد من الصروح المهمة في محافظة ميسان، حيث كان عبارة عن قبر مهمل فقط وبمساحة 4 دونمات، وتمت مراحل العمل بوضع الإساسات ومن ثمّ الأعمدة، وهي عبارة عن هيكل حديدي، مكون من 16 عمودا، وبمساحة 300 مربع، فضلا عن مرحلة بناء القبة وهي ايضا هيكل حديدي مع الـ GRB والكاشي الكربلائي، وعندما يكتمل سوف يعكس في بنائه فن العمارة الاسلامية الحديث، والتطريز بالزخارف والنقوش الإسلامية والآيات القرآنية ويتوسط في الحرم قبر شاعر أهل البيت عليهم السلام.