رحيم عزيز رجب
دورة الخليج العربي المقامة في البصرة الفيحاء. وما أدراك ما الخليج، حتى عنوانه اختلف على تسميته من قبل دول الجوار، وما حمله من لغط وسجال وتداعيات. حملت الكثير الكثير من المفاجآت التي لم تكن بالحسبان. وما أشعل وسائل التواصل الاجتماعي وأخذ حيزاً في مطلع العام الحالي. دخول العراق بوابة الخليج بعد سنوات من الانقطاع والتجافي امتدت لقرابة 40 عاما،
لتأتي هذه الساحرة المستديرة لتقلب الطاولة على رؤوس المتراهنين من الأطراف السياسية المعنية لتمحي خارطة الحدود وأحقاد الحكام والنزاعات والأطماع، وتلغي البعد والمسافات الشاسعة والحسابات والمصالح الفئوية الضيقة بين الشعوب العربية الخليجية المتلهفة لهذه اللقاءات الأخوية، لتاتي أفواجٌ تحمل معها تلك المشاعر الصادقة بقلوب يملؤها الحب والمودة ليمسحوا من ذاكرتهم تلك الذكريات المؤلمة وما لحق بين تلك الشعوب والعراق من علاقات متشنجة وحساسة، ليعيش العراق عزلته، بعيدا عن تجمعاتهم الخليجية، فكانت لدورة الخليج ومدينة البصرة كلمة الفصل.
لتعود الأمور إلى نصابها وسابق عهدها لتشحن وفودهم الرياضة، وبدون تردد إلى عراق المجد والحضارة البلد المعطاء، محملين بالذكريات وعبق الماضي وصور عن بغداد والبصرة في سباق لم يكن له مثيل ودون
تردد.
أشياء واحداث ومفارقات كثيرة حدثت وكأنها رسائل بعثت تحمل من الأسى والحزن والفرح الشيء الكثير لهؤلاء المعلقين الخليجيين، الذين يحملون تلك المشاعر الفياضة والجياشة في قلوبهم، تجاه هذا البلد وأبنائه حين يشبهونهم بأسود الرافدين.
وبلاد الرافدين وما يلفت انتباهك أن معظم المعلقين يعطون مساحة أو فسحة من وقت المباراة ومن التعليق، ليخوضوا لحديث عن تاريخ وحضارة العراق واستحضار أمجاده، والتغني بأغانيه الوطنية المشهورة، التي غنت بحب العراق وتغزلت بترابه وهم يرددون (ياعراق ترجع شيء أكيد بحيلك.. ويضحك نهارك يا وطن ويا ليلك.... جرحك جرحنا وانت ابونا الغالي، شتريد أطلب منا ونسوليك) وبعد برهة ليعود يشعر ويستذكر تلك الأبيات من القصائد الخالدة، التي قيلت بحب العراق وماضيه التليد.
مع حشرجة الأصوات وعبرات تغص بها حناجرهم.
لتغرورق أعينهم بالدموع لتهز مشاعر الجميع بتلك الأبيات المؤثرة وبأصوات شجية، فتختلط بالفرح والفخر والزهو لمن يمتلك هكذا وطنا (هو العراق سليل المجد والحسب، هو الذي كل من فيه حفيد نبي.
كأنما كبرياء الأرض أجمعها تنمى إليه فما فيها سواه أبي.
هو العراق فقل لدائرات قفي. شاب الزمان والعراق صبي) لتستمر تلك المشاهد المؤثرة في النفوس المؤلمة، لتتخطى المسابقة والساحة المستطيلة ومبدأ الربح والخسارة ونيل الكأس، وما تحمله من جراحات ما زالت تنزف.
فهل أدرك المهاجرون عظمة وتاريخ ما تركوه من أرض وجذور طيبة، وشعب جواد أحبّه القاصي والداني!!.
وهل أيقن السياسيون عظمة هذا البلد وتاريخه وصداه في قلوب وذاكرة العالم ليجنبوه ويلاتهم، وتكف أيديهم القذرة ونفوسهم الحقيرة بالتلاعب بمقدراته!.