ماذا يفعل السوداني في الإليزيه؟

آراء 2023/01/31
...

 د. يحيى حسين زامل

 

تنتقل الثقافات والخبرات والعلوم عبر الاحتكاك والتواصل بين الشعوب والمجتمعات، كما بيّنت «النظرية الانتشارية» الأنثروبولوجية، ونظرية «الفعل التواصلي» لـ «هبرماس»، وهو تواصل قائم على العقلانية وتبادل الخبرات بين مجتمعين متساويين أو متفاوتين في الثقافة والأنساق والنظم الاجتماعية والثقافية، ويمكن أن تعد زيارة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني لفرنسا، ودخوله إلى قصر الإليزيه من ضمن هذه الاتصالات الثقافية والاجتماعية التي تفسرها هذه النظريات الآنفة الذكر. 

 إن توصيف رئيس الوزراء العراقي لرئيس الحكومة الفرنسية بالصديق ماكرون في تغريدته تحمل دلالات بعيدة المدى، كما أن إعلانه:( قبل قليل وقعنا أنا والصديق ماكرون اتفاقية الشراكة الستراتيجية، التي تضع خارطة طريق لتوسيع أفق التعاون بين بلدينا في مختلف المجالات، من أجل صنع شراكات جادة، تضمن للعراق تحقيق الاصلاح الاقتصادي والتنمية المستدامة كما رسمنا وخططنا في البرنامج الحكومي).

تفتح آفاقاً واسعة في حال تم تطبيق هذه الاتفاقيات والشركات العالمية لأنها تمثل الاتصال والتواصل مع بلدان العالم المتحضر، البلدان التي تسبقنا بعقود في العلم والتكنولوجيا والحريات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا شك أنها فرصة كبيرة لنا إذا كانت صادقة وجادة في التعامل الايجابي القائم على احترام الإنسانية والحقوق والحريات العامة، وتبادل الخبرات العلمية من خلال البعثات العلمية والاكاديمية في الجامعات الفرنسية. 

 ورجوعاً إلى تاريخ البعثات العلمية للغرب، فقد شاركت الدول الغربية في تأسيس ودعم الكثير من العلوم الطبيعية والطبية والاجتماعية، في البلدان العربية بشكل عام، وفي العراق على الخصوص، وقد مكنت قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في العراق من التأسيس والريادة، من خلال منح شهادات علمية وخبرات أكاديمية من: الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وفرنسا، فضلاً عن بعض الدول العربية والاشتراكية. 

 إن تحقيق الإصلاح الاقتصادي والتنمية المستدامة المرسوم في البرنامج الحكومي، والذي أعلن عنه الرئيس من مكملاته الإصلاح الاجتماعي والثقافي في البلاد حتى تتكامل الصورة الكلية في المجتمع، ولا يمكن تجزئة جانب من الجوانب أو نعزله عن بقية الجوانب أو المجالات الأخرى. 

 كما أن مكافحة الإرهاب والفساد الذي أعُلن عنه في تفاصيل هذه الاتفاقية، تيحتاج إلى مكافحة الجهل والتخلف والأمية في البلاد بواسطة منهج حكومي مدروس؛ يأخذ بنظر الاعتبار البناء الاجتماعي والثقافي للبلاد، وكذلك خلق فرص عمل جديدة لأبناء المجتمع، فقد أبُطلت مقولة «الإنسان الساحر»، وجاءت مقولة «الإنسان الصانع» لتضع الحد الفاصل بين زمنين متفاوتين، بين الماضي والحاضر.