أوهام سياسات القوة

قضايا عربية ودولية 2023/02/01
...

علي حسن الفواز



يختلف النظر إلى سياسات القوة بحسب طبيعتها الاستعمالية، ولغايتها في السيطرة والتأثير، وفي ربط هذه السياسة بالأيديولوجيا، وبالعنف العسكري والرمزي، فكثيراً ما تلجأ الدول الكبرى إلى فرض أرادتها عبر تلك القوة، بتداوليتها، إن كانت قوة صلبة، أو قوة ناعمة، والتي تعني تحويلها إلى أجهزة أو إلى مؤسسات، تعمل على تحقيق مصالحها وأهدافها، عبر تحويلها إلى ممارسات، تتوزع بين الاستخدام المُفرط للقوة العسكرية، وبين استخدام الهيمنة عبر العنف الرمزي في سياقاته الإعلامية والثقافية والسبرانية.

قد تكون منطقتنا العربية من أكثر المناطق تضرراً بأوهام “سياسات القوة” لاسيما في مرحلة “مابعد الربيع العربي” إذ أوجدت واقعاً اشكالياً، معقداً، انعكس على هوية البيئة السياسية العربية، فتحول التطرّف الأصولي إلى تطرّف ثقافي، وإلى “رثاثة” اجتماعية، وإلى “تعويم” اقتصادي، وإلى “عطب” أمني، برزت من خلالها جماعات التطرف (القاعدة – داعش) وهي تروّج لسياسات القوة الجائرة، عبر خطاب الكراهية والعنف وإقصاء الآخر.

غلق البيئة العربية عبر التعصب السياسي والديني، ليس بعيداً عن فرط تلك القوة، إذ يعني تغوّل سياسات الأمن، مثلما يعني تقليل قدرة تلك البيئة على الجذب والرفاهية والانتعاش الاقتصادي والسياحي والثقافي، مقابل صعود قوى ضاغطة، تفرض تلك السياسات عبر الإكراه واستخدام القوة والعنف، وبالتالي تعطيل مشاريع التنمية، والاستخدام الرشيد للثروات، وقطع الطريق على أيِّ مشروع وطني يهدف إلى دخول المجتمع إلى عالم الحداثة والتقدّم، بعيداً عن رهاب الذاكرة، وعنف العسكرة، والصراع الأهلي بوجوهه المتعددة.

ما تعانيه دول عربية من العنف الأصولي، قد يشبه ما تعانيه دول أخرى من العنف السياسي، فكلا العنفين يفرضان خطاباً ضاغطاً في العزل المجتمعي، وفي التعطيل الوطني، وفي فرض إرادة تمسّ قيم التنوع والتعدد، والحريات والحقوق والمصالح، فضلاً عن فرض سمات ضاغطة للتمثيل الديموغرافي والانثربولوجي للشعوب داخل دولها ومجتمعاتها.

فرضية القوة “الخشنة” التي يفرضها البعض في هذه الدولة أو تلك، يُعدّ أكثر تمثيلاً لسياسات القوة، فهي لا تثق بوجود أية قوة بديلة، ناعمة كانت أو سائلة، لأن فرضية تلك القوة  تؤمن فقط بسياسة “الأنا العالية” أو بسياسة الاستحواذ، وعبر تضخيم أوهام تلك القوة، بوصفها نظيراً للرهان على “الايديولوجيا النقية” وعلى الخضوع إلى المصالح الدولية، وبحسابات تفرض قوتها عبر تلك المصالح، وهيمنة أجهزتها الأمنية والمعلوماتية والاقتصادية..