حسن العاني
قبل موعد الانتخابات الأخيرة بعشرين يوماً على وجه التحديد، جمعتنا جلسة مسائية في بيت أحد السادة المرشحين للانتخابات، وكان عددنا كبيراً إلى حد ما ويكاد يعرف بعضنا البعض لكون النسبة العظمى من الحضور هي من أبناء المحلة، ومع أن ظاهر الجلسة أو اللقاء أو التجمع دعوة عشاء أقامها المرشح لشفاء ولده من (كورونا) شفاء تاماً، ولكن ما أن انتهينا من وجبة العشاء الارستقراطية، حتى بدأنا مع رائحة الشاي المهيل نتبادل أحاديث منوعة في أجواء تسودها معالم المرح والراحة النفسية، وفجأة تكشفت – ولو بصورة غير مباشرة – الأسباب الحقيقية وراء الدعوة ووجبة الطعام الدسمة، وذلك عندما استأذن صاحب الدعوة أو المرشح من الحضور استئذاناً مهذباً، طالباً منهم الإصغاء إليه ومشاركته الحديث!.
هدأ الجو فعلاً، وانطلق الرجل بحديث طويل كأنه خطبة من خطب الرؤساء في معظم بلدان العالم الثالث، يخلو من أي جديد وعابق بالوعود الوردية، وتركز حديثه حول الانتخابات والديمقراطية والحكومة والخدمات والمعارضة والبنى التحتية. غير أن أحد الحضور كان قليل الذوق حين قاطعه متسائلاً [أستاذ.. إذا فزت بالانتخابات، وإن شاء الله تفوز فعندي مشكلة أرجو أن تساعدني على حلها] رد عليه المرشح [ بفضل أصواتكم سأفوز، وأنا حاضر لمساعدتك ومساعدة الإخوان كلهم.. وتلبية جميع طلباتكم مهما كانت.. بالمناسبة أني ما عندي طلب صعب أو مستحيل]، ارتاح المدعوون وصفق بعضهم، بينما قال صاحب الطلب [أستاذ الله يحفظك.. أني محتاج خمسة ملايين دينار لعلاج ابنتي] ثم أجهش بالبكاء قبل أن يعاود الكلام [وأواعدك أستاذ، هذا المبلغ دين يرجعلك بس تتحسن أحوالي]، غضب المرشح ورد عليه بانفعال [مع الأسف أخي.. اعتبر المبلغ بجيبك بس أفوز وعيب تذكر كلمة دين]، وصفقنا بحماسة، وتساءل أحدهم [رجاء أستاذ.. من زمان وأني اسمع بالمعارضة البرلمانية.. شنو هاي جديدة.. يعني غير المعارضة الي نعرفها؟!]، [بصراحة.. المعارضة البرلمانية هي صوت الشعب المؤثر والفعال الذي يحاسب الحكومة ويراقبها] وقال كلاماً طويلاً لم يخرج عن توجيه المدائح للمعارضة، ولذلك سأله أحدهم [أستاذ هل أفهم من هذا أنك ستعمل مع المعارضة؟]، ابتسم وهو يرد عليه [إذا صرت بالمعارضة شلون أساعد الأخ الذي يريد علاج ابنته؟!] وخيم الصمت على الحاضرين ولم يقطعه إلا رجل يتحدث العربية الفصحى بطلاقة إذ قال [يا جماعة.. أرجو أن تعرفوا بأن المعارضة البرلمانية في كل بلدان العالم ومن ضمنها العراق عبارة عن ديكور ديمقراطي] فلم نتمالك أنفسنا من الضحك بأعلى أصواتنا مع أن أغلبنا لم يفهم معنى العبارة، وكان المرشح أكثرنا ضحكاً مشوباً بالسعادة!.