نازك بدير*
مع الانقسامات الحادّة على الخرائط السياسيّة والطفرة التي تشهدها دول الجوار، تنهض حركتان متعارضتان تزداد مع الوقت المسافة بينهما، ويتّسع الفارق بين
وجهتيهما.
كلّ واحدة تتبع مسارًا تعاكس الأخرى؛ في حين أن الحركة ذات الاتجاه التصاعدي محكومة بخطط واستراتيجيّات ورؤى تضمن انتقالًا مدروسًا استنادًا إلى نظام يحفظ سلامة الشعب ويطوّر الاقتصاد ويستثمر الثروات
الوطنيّة.
في المقابل، يبدو أنّ الحركة المدفوعة باتجاه الأسفل تتدحرج متفلّته من أيّ قواعد وأسس، فتجرف في انزلاقها الجنوني كلّ ما حولها من لبنات كانت، على تصدّعاتها وعللها، تمنع الوصول إلى الارتطام الكبير، أو تؤجّله قدر الإمكان.
كأنّما اقتصاد الدول وتقدّمها رهن بسياساتها وتحالفاتها
ومواقفها.
ثمّة اتجاهات محتدمة المصالح، بعضها يتمكّن من البقاء على خطّ شبيه بخطّ الاستواء، وبعضها الآخر أخذ موقعه يتزحزح مع ذوبان الجليد من تحت قدميه، وقلّة عرفت كيف تخلط الأوراق، وتبني دولًا، وتنافس الغرب في التقدّم، وتصبح عواصمها مراكز اقتصاديّة ووجهات سياحيّة عالميّة. أمّا الغالبية فتتّجه بحركة عموديّة نحو القعر، تزاحم قانون الجاذبيّة في السقوط.
لكن، على الرغم من الانطلاقة الصاروخيّة لعدد من الدول العربيّة والتميّز الذي تحفل به في كثير من القطاعات، لا تزال مؤشّرات الهبوط، بالنسبة إلى السواد الأعظم من العرب سواء في المشرق أم في المغرب، تكتسح معظم الميادين: الاقتصاد والتعليم والصحّة والتخطيط والتصنيع والرقمنة، فضلًا عن تصفير مؤشّر مجالات حيويّة مختلفة في أكثر من دولة، قد لا تجد نفسها بحاجة، على سبيل المثال، إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي وهي تتّجه نحو الهاوية.
ينضح التاريخ بالعديد من التجارب التي تظهر تغيُّر اتجاه زاويتَي السهمَين إذ تتمكّن بعض الدول غبّ الأزمات أو الحروب من انتشال نفسها بنفسها، فتنتفض ويقفز مؤشّر السهم صعودًا بعد أن حفر عميقًا تحت الأرض وخلّف الكثير من الضحايا، لكن، أكمل دورته إلى أن بلغ الاتّجاه الصواب.
وعلى الطرف الآخر، يسطّر التاريخ ندوبًا حفرها استقرار زاوية السهم عميقًا في موقع"الهاوية". لكن قد تكون أكثر التجارب وقْعًا في تأثيرها تلك التي ينحرف فيها المؤشّر بضربة واحدة من أعلى إلى أسفل، فتنهار أنظمة،
ويستتبع ذلك ارتدادات تستمرّ مفاعيلها السلبيّة تتمدّد عشرات السنين محدثة ارتجاجات في غيرها من الدول. وقد يستفيد البعض من انكسارها ما يضمن استدارة عقارب سهمه نحو
الشمال.
ثمّة قوى ترصّ جهودها وتناضل في سبيل تثبيت اتجاهها نحو الأعلى بشكل يتعالق دائمًا مع الضوء والحياة، ويسمح للإنسانيّة بتأدية الأهداف التي وجِدت من أجلها، بينما على النقيض تماما تجنح دول أخرى إلى الانغماس فيِ الهوّة، وكأنّ السهم يتخثّر فيها، وأيّ تحريك له، وإن طفيفًا، يعني تفتيت أجزاء منه، فيتمّ التخلي عن
المحاولات.
وقد يسترق البعض النظر من حين إلى آخر ليشهد نهاية وطن دُفِن حيًّا، ولم يُسمَح له بالموت
الرحيم.
*كاتبة لبنانيّة