أحمد حسين
بعد انتهاء الانسداد السياسي وتشكيل تحالف إرادة الدولة الذي يضم الأقطاب الثلاثة -الشيعة، السنة، الكرد- والاتفاق على محمد شياع السوداني رئيساً للحكومة الجديدة.
تعددت التكهنات والقراءات لتوجهات هذا الرجل إقليمياً ودولياً، هناك من توقع أنه سيتوجه شرقاً، وآخرون رؤوا أنه سيذهب غرباً، هذه أبرز وأوسع التوقعات انتشاراً، والغريب في الأمر ألا تجد طرحاً يقول إن السوداني سيوزع اهتماماته بين الشرق والغرب، مع البقاء في الوسط والنظر بإمعان للداخل العراقي ومصالحه، وحقيقة هذا الأمر مستغرب، خصوصاً أن السوداني وخلال عمله مسؤولاً محلياً في محافظة ميسان، ومن ثم نائباً ومسؤولاً ووزيراً حكومياً في عدة مناصب، لم يصدر عنه ما يوحي بأنه منجذب للعبة المحاور الإقليمية والدولية.
بعد تصويت مجلس النواب على الكابينة الوزارية لحكومة السوداني، كانت أولى زياراته إلى الأردن، وقد كانت مفاجئة للجميع على ما أظن، فالأردن ليست دولة فاعلة ولا مؤثرة إقليمياً، ثم أتبعها بزيارة للكويت، تلتها السعودية، ومن ثم إيران الدولة المحورية والشديدة التأثير في المنطقة والعالم، زيارات بدت كأنها رسائل موجهة لدول الجوار مفادها: أنا مع الجميع وليس لديّ موقف مسبق من أي طرف لحساب آخر، هكذا بدت الرسالة وبهذه اللغة قرأها أغلب المحللين السياسيين، كما أنها تضمنت أيضاً رسالة ضمنية تفيد بأن السوداني يريد أن يقدم عراقاً متصالحاً مع من حوله، لكنه يقدم مصالحه أولاً على مصالح الآخرين.
بعد هذه الجولة الإقليمية كان من المتوقع أن يحط السوداني في مطار واشنطن، هكذا توقع المحللون السياسيون وكذلك التسريبات الصحفية تحدثت عن هذا الأمر، لكن المفاجأة كانت بأن يتوجه إلى ألمانيا التي تعد منافساً لا يستهان به لأميركا في العراق، والجميع يعلم قصة شركتيّ سيمنز الألمانية وجنرال إلكتريك الأميركية وتنافسهما على ملف الطاقة الكهربائية في البلاد.
وبعد زيارة برلين استمرت التكهنات بأن الزيارة المقبلة ستكون للولايات المتحدة، لكن طائرة السوداني حطت في فرنسا، وهي أيضاً دولة منافسة قوية لأميركا في العراق وأيضاً في مجال الطاقة.
في الزيارتين خارج حدود المنطقة الإقليمية أبرم السوداني اتفاقيات بمبالغ ضخمة في عدة مجالات الأمن والاقتصاد والطاقة والتجارة والصناعة وغيرها، فما هي الرسالة التي أراد السوداني إيصالها للجميع؟.
على ما أظن أن رسائل السوداني كانت واضحة وصريحة ومباشرة، فقد قال لأميركا: كل دول العالم ومنها العظمى هي من تريد تسجيل حضورها في العراق، وليس نحن من نستجدي نظرة منها، بل هي من تستجدي عقوداً واتفاقيات في هذا البلد المتخم بالمشاريع والصفقات
المليارية.
أميركا التي كان لها موقف سيئ مع العراق في حربه ضد تنظيم داعش، رغم اتفاقية الإطار الإستراتيجية المبرمة بين البلدين، على ما أظن وصلتها رسائل السوداني هي ودول العالم الأخرى، وأتوقع خلال فترة وجيزة ستتقاطر علينا دولاً وشركات تجعل واشنطن تعض أصابع الندم حين لا ينفع الندم.