د. عبدالواحد مشعل
يعدُّ الاستاذ الجامعي في المؤسسات الحيوية التي يناط فيها تنمية المعرفة العلمية بشقيها النظري والتطبيقي، قيمة عليا، لإسهامه في نهضة المجتمع وتقدمه، وقد حظيت الجامعات واساتذتها برعاية خاصة من قبل الدول المختلفة، بعدهم ثروة معرفية يستغرق بناؤها زمنا طويلا، لذا سعت هذه الدول إلى رعايتهم، وتوفير العيش الكريم لهم من سكن وتقدير اعتباري كي يتفرغوا للبحث والدراسات العلمية، واعداد اجيال معرفية تكون قادرة على تحقيق نهضة حضارية لمجتمعاتها، ولعل ابرز تلك السبل هو توفير السكن اللائق من خلال تخصيص قطع أراضٍ لهم في أماكن مناسبة من المدن ليشيدوا عليها مساكن تأويهم واسرهم، وترك لهم حرية التصميم والتنظيم سعيا لاحترام خياراتهم الفنية والذوقية، وقد عملت كثيرا من الدول على توزيع الاراضية السكنية على هذه الفئة وغيرها مجانا أو مقابل رسوم رمزية، ليسكنوا في احياء خاصة بهم يطلق عليها تسميات منها حي الكفاءات أو الحي الجامعي وغيرها، لتميزها عن يباقي الاحياء، واليوم يعيش الاستاذ الجامعي في العراق ظروفا قاسية، ويعاني من ظروف صعبة في مجال السكن، فلم يكن على سبيل المثال اي مبادرة من جامعة بغداد تجاه اسكان الاساتذة ومنتسبيها منذ عام 2003، على الرغم من وجود أراضٍ واسعة عائديتها للجامعة في مناطق مختلفة من بغداد، اسوة بما حصل من توزيع قطع أراضٍ للاساتذة في الجامعات العراقية المختلفة، ومع هذا يمكن الحديث عن قسمين من الاساتذة والمنتسبين للجامعة، الأول من الذين حصولهم بواقع قطعتين أو اكثر قبل عام 2003، والثاني، الذين انتسبوا للجامعة بعد 2003، ولم يحصلوا على قطع أراضٍ سكنية لهم، فأغلبهم يسكنون في ايجارات، وبعضهم الاخر مع اهلهم والنوع الثالث من يسكن في مساكن قد لا تتجاوز مساحتها 100 متر، حصلوا عليها عن طريق المواريث عن اهلهم أو من الذين تحملوا السلف لشرائها، وهي بحد ذاتها لم تعد ترضي حياتهم، إذ بدأت مساحاتها تضيق بهم بعد أن كبر أبناؤهم خلال العشرين سنة المنصرمة، وقد كانت لكل ذلك آثار سلبية على وضع الاستاذ الجامعي الذي يشعر بالحيف من جراء عدم الالتفات إلى حقوقه، لذا ينبغي التاكيد هنا على أن الأستاذ الجامعي لا يتمكن من تنويع موارده من مصادر اخرى، كما يفعل البعض في المجتمع، لأنه يشعر اذا انصرف إلى ذلك يفقد هيبته ومهنيته وعلميته. وقد ازدادت بالآونة الاخيرة.
ومنذ ما يقرب من السنة ازدادت مطالبات اساتذة جامعة بغداد، ومنتسبيها من الموظفين بتوزيع قطع أراضٍ لهم من أراضي الجامعة الواسعة، لكن لم يجدوا جراء وقفاتهم المتكررة أي أمل يمكن أن يترجم إلى الواقع يرضي طموحهم ويلبي حقهم المشروع، على الرغم من الوعود التي حصلوا عليها من المسؤولين، الذي ابدى البعض منهم تفهما لشرعية تلك المطالب دون يلمس الاساتذة والمنتسبون من ذلك شيئا، على الرغم من موافقة مجلس الجامعة على توزيع قطع أراضٍ لهم، كما ازدحمت الافكار حول ذلك من خلال طرح فكرة الاستثمار عن طريق مساكن جاهزة يدفع ثمنها الأساتذة والمنتسبون الجامعيون، على الرغم من أن الحصول على السكن هو حق طبيعي كفله القانون، سواء مجانا أو من خلال ثمن رمزي، ولو كان الاستثمار ينفعهم لذهبوا إلى المشاريع المنتشرة في بغداد واشتروا، لكن المسألة التي يطالب بها الاساتذة والمنتسبون الجامعيون بصفتهم مواطنين تنحصر في تخصيص قطع أراضٍ ممنوحة من الدولة، وفي هذا الصدد على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أخذ الامر على درجة كبيرة من الأهمية بعد انتابت حالات اليأس الاساتذة والمنتسبين جراء الوعود الكثيرة، التي لم تجد لها طريقاً إلى التنفيذ، وبهذا المعنى فإن تحقيق هذا الحق ليس صعبا اذا ما توفرت الإرادة الصلبة في تلبية تلك الحقوق
المشروعة.