د. شاكر كتاب
التناقض العجيب في موقف المواطن العراقي، ومثل ذلك تناقض عجيب آخر في مواقف رئيس الوزراء السيد السوداني. المواطن العراقي الذي ثار في تشرين وهز أركان النظام، وأرعب الحكام والفاسدين ومن ورائهم من حكومات عميقة خفية لكنها مرئية! المواطن الذي أقام الدنيا ولم يقعدها إبان انتفاضته التشرينية المجيدة.
والتي ارغمت حكومة عادل عبد المهدي على الاستقالة، وأجبرت السلطات على استخدام الحديد والنار، وقدم الشعب عندها مئات الشهداء وآلاف الجرحى، هذا المواطن يقف اليوم مستسلما إزاء ممارسات الفساد اليومية، التي تمر أمام عينيه وتمارس أضرارها المدمرة له ولعائلته ومستقبله ولبلاده ومجتمعه على السواء، دون ان ينبس بكلمة رفض أو اعتراض أو احتجاج
واحدة.
تكلمنا اكثر من مرة عن ظاهرة احتلال أرصفة الشوارع من قبل التجار الصغار والكبار على حد سواء، ما يضطر الناس إلى السير بين عجلات السيارات في وسط الشوارع، معرضين أنفسهم واطفالهم إلى مخاطر حوادث السيارات. والمواطن يمر وكأن هذا الأمر طبيعي جدا ولا يعترض ولا ينطق بكلام. يسرق المواطن من قبل الصيدلاني جهارا.
لا سيما عندما يكون هذا الصيدلي أجيراً عاملا في الصيدلية، ولا تهمه سمعته ولا سمعتها فيضيف على السعر الأصلي للدواء مبلغا يضعه في جيبه. دون أن يعترض المواطن أو يطالب بقسيمة الدفع أو على الاقل يطالب بكتابة السعر على غلاف الدواء. تتضافر هنا سفالة هذا الصيدلي السارق مع إهمال السلطات الصحية لموضوعة التسعير المركزية للأدوية، ناهيك عن التفتيش والمراقبة التي أصبحت في خبر كان تماماً.
ارتفاع صاروخي في أسعار المواد الغذائية الأساسية للحياة اليومية منها البيض واللحم والرز والخضراوات والفواكه، بل وحتى الخبز والصمون والمواطن وإيجارات السكن والمحلات بدون أي اعتراض ولا شكوى، إنما يشتكي سراً في قلبه ليقول أمرنا لله
“شنسوي”.
في كل المعاملات التي يتابعها المواطن في دوائر الدولة ومؤسساتها يتعرض إلى الابتزاز، ويجبر على دفع رسوم الرشوى أو يماطل الموظف في انجاز معاملته إلى اي مدى يشاء. والمواطن أمره
لله.
هذا الارتفاع الجنوني في سعر الدولار والانخفاض السريع في قيمة الدينار العراقي وانعكاس كل ذلك على حياة الفرد والفقراء على وجه الخصوص، دون أن يتحرك المواطن، ليقول كفى للفوضى ولهذا الاستهتار والتلاعب بمصائرنا. وكأن ثوار تشرين جاؤوا من الخارج أو أنهم تبخروا.
من ناحية ثانية نتابع الكثير من قرارات وأفعال السيد السوداني رئيس مجلس وزراء العراق، التي تحظى بتأييدنا ودعمنا رغم ندرتها وقلة تاثيراتها، لكن ينبعث فينا الأمل مع كل خطوة نرى فيها بصيصاً من نور، نقول إنه قد يتسع يوماً ما. لكنه يصدمنا بقرارات اخرى مناقضة ومنافية تماما لما تبعثه فيها الافعال الإيجابية سالفة الذكر. ما الذي يجبر السيد السوداني على اعادة تعيين مسؤولين من مختلف المستويات في الطاقم الحكومي، وهم من المعروفين بفشلهم وسوء السمعة وعدم مهنيتهم، وليست لديهم أية مؤهلات تدعم قراره باستقطابهم.
وهم الذين قيل بحقهم “إن المجرب لا يجرب”. وهل يحتاج السيد السوداني هذا العدد من المستشارين؟ وهل إن كل هؤلاء المستشارين هم فعلا في بغداد مقيمون، أم أن رواتبهم سنبعثها لهم بالدولار إلى بلدان إقامتهم وعلى أرصدتهم هناك؟ هل رؤساء الوزارات في البلدان الأخرى، لا سيما المحيطة بالعراق لديهم هذا العدد من المستشارين ؟ ما السر وراء هذه المواقف
المتناقضة؟.
ندري أو لا ندري هذا شيءٌ، لكن ما نحن على يقين منه هو أن وجودهم مضرٌّ بعمل الحكومة، ويشوّه صورتها ويزعزع آمالاً كان الكثير منّا قد علقها على أداء السيد السوداني وبرنامجه
واندفاعه.