حسن العاني
صديقتي الحلوة.. حيث تفرق الصحب وخذلني الأحبة.. لم يبق غيرك من أبوح بالأسرار أمامه وأبث الشكوى، مثلما كنت أفعل قبل عشرين سنة.. وأنت أكثر من يعرف بأنني ما لجأت في حياتي إلا إليك، حتى يوم كانت سفينتي عامرة بمن أطمئن إليهم، ولكن الدنيا لم تعد هي الدنيا.. أرجوك يا صفية الروح فأنا وحيد كنجمة في صحراء لا تضيء سوى الرمل!.
لعلك تذكرين قبل عقد من السنين أو دون ذلك عندما سألتك الرأي فيما أنا عازم عليه، فقد كنتُ أمتلك أموالاً طائلة حين طلبت مني إنفاقها بالعدل والحاجة، وقبل ذلك الاستحقاق، وأخبرتك أن لا أحد عندي يتقدم على (الدكتور محمود)، رجل قارب السبعين، صاحب دكان لبيع الأعشاب الطبية، وقد أطلق الناس عليه لقب دكتور. لا يفوته وقت صلاة ولا موعد صيام، ولا تفارق لفظة الجلالة شفتيه، صريح في كلامه، سلفي في توجهه الديني.. ولذلك اخترته مشرفاً على تلك الأموال وتوزيعها، وقبل ذلك حمايتها من اللصوص، وكنت تعترضين لأن في حركاته وتصرفاته وطريقة كلامه المقرفة ما يوحي بأنه ليس الشخص المطلوب، وكنت أعترض على اعتراضك لأنه من غير حجة ولا دليل، ولكن الأيام أثبتت صحة ما ذهبت إليه، فما كاد العام الأول يمضي حتى اكتشفت أنه لص محترف يعرف كيف يختبئ وراء لحيته ومظاهر عبادته، وقد فاته أن حبل الكذب قصير ولهذا أبعدته عن المهمة في الحال..
أنا المخطئ يا حبيبتي والذنب ذنبي، ولكنني لم أتعظ وأوكلت المهمة إلى (محمد الحلبي)، تعرفينه، رجل في عز الشباب، يعمل تاجراً في الحقائب النسائية، لا أحد يمتلك موهبته في الحديث عن الوطن والوطنية والاستحقاق والمحتاجين، وكنت أجد في شخصيته الحيوية مسوغاً لائتمانه على الأموال وحمايتها وتوزيعها، وكنت – كما في المرة السابقة – ترفضين ثقتي به، وترين فيه رجلاً دعياً وكل ما يحسنه هو مهنة الكلام المنمق، ومن جديد تحقق ما ذهبتِ إليه، فَعِبر حركة مسرحية مكشوفة حاول الضحك علينا، ونجح في نهب الأموال بشهية وبلغتْ به قلة الحياء أن جاهر في شراء القصور والمزارع والنسوان.. ولا أدري يا أحلى وآخر من تبقى لي ماذا أفعل، وأنا أسمع بحزن أنين أصحاب الحاجة والاستحقاق، أنتظر منك رداً على أحر من الجمر.. وبحركة عنيفة وصوت يقطر غضباً، والساعة تقرب من الرابعة بعد منتصف الليل، أيقظتني زوجتي متسائلة بسخرية [مبارك.. من هي صديقتك الحلوة.. ولماذا تنتظرها على أحر من الجمر؟!]، في مثل هذه الحالات أنتم – والخطاب موجه إلى الرجال فقط – أعرف بجنون الزوجة لو ألقت القبض على زوجها بالجرم المشهود، حتى لو كان في الحلم!.