عبد الحليم الرهيمي
لا شك أن التعرف على تجارب الدول والشعوب لأي قضية، إنما يهدف للاستفادة من دروسها ونجاحاتها وتجاوز اخفاقاتها مهما كانت بسيطة. وتأتي تجربة الجزائر اللافتة لمكافحة الفساد في الفترة الاخيرة وخاصة في العام 2022 لتنظم، ربما، إلى قائمة الدول التي حققت تجاربها في مكافحة الفساد نجاحات مهمة.
فبعد أن طويت الجزائر صفحة رئاسة الراحل عبد العزيز بوتفليقة، الذي تولى الرئاسة في شهر نيسان عام 1999، واستقال منها في شهر نيسان ايضاً عام 2019 (توفي شهر ايلول عام 2021)، بدأت الدولة الجزائرية حملتها الاولية لمكافحة الفساد والذي استشرى في البلاد طيلة حكم عبد العزيز بوتفليقة، واذْ بدت الحملة بطيئة قبل وفاته، وكذلك قبل فوز عبد المجيد تبون بالانتخابات وتسلمه رئاسة الجزائر في 19/12/2019 لكن وتيرة فتح ملفات الفساد تصاعدت دون توقف حتى بلغت ذروتها عام 2022.
ففي التقرير الذي نشر قبل أيام فيه خلاصة لجهود الحكومة في مكافحة الفساد وفتح ملفاته المتعددة دون تلكؤ وبعزيمة شديدة، ووفقاً لهذا التقرير فإن الجهات الحكومية المعنية تمكنت العام 2022 على وجه التحديد من اعتقال نحو 15400 متهم بالفساد أصدرت المحاكم أحكاماً بالسجن بحق 10600 مدان بقضايا فساد، واتسمت الأحكام بالشدة التي تراوحت بين العشرين والعشر سنوات وبأحكام أخف منها، فحسب التقرير المشار اليه فإنَّ أكثر الأحكام طالت كبار المسؤولين في حكومات بوتفليقة، الذين نطلق على أمثالهم في العراق حيتان الفساد.
ورغم أن هذه الحملة قد بدأت بعد استقالة ثم وفاة بوتفليقة لكن تزايد وتيرة زخمها واتساعها، انما حصل تحت الضغط الشديد للتظاهرات الشعبية في الشوارع، وكذلك تحت ضغط الجيش ايضاً الامر الذي دعا السلطات المعنية إلى اعتقال وسجن عشرات المسؤولين الحكوميين ورجال الاعمال ومسؤولين عسكريين وجهت اليهم تهم الفساد وكان من بينهم ثلاثة رؤساء حكومات في عهد بوتفليقة، واتسمت الاحكام بالشدة وتراوحت ايضاً بين 20 و 10 سنوات. وخلال العام 2022 وفي سياق اصدار الاحكام الجرمية كان يتم استرجاع الاموال المسروقة والمنهوبة منهم مع شمولهم في الوقت ذاته باحكام القضاء، حيث ينص دستور البلاد على ذلك، فضلاً عن الشريعة الاسلامية وأحكام القرآن الكريم.
واستطراداً فقد جاء في التقرير ايضاً، الذي نشر غداة الاعلان عن البدء بمحاكمة (رئيس مجموعة الصناعات الغذائية) باسمه الصريح حكيم شرفاوي دون استخدام حروف ( ح. ش ) كما يحصل عندنا في كثيرٍ من الأحيان، وكان اتهامه بالفساد لاستفادة شركاته من (مزايا غير مستحقة) ألحقت ضرراً مالياً كبيراً بالخزينة الحكومية، وفق ما جاء بلائحة الاتهامات، حسب التقرير المذكور.
وفي الوقت ذاته الذي نشر فيه التقرير أعلنت إحدى المحاكم الجزائرية بالعاصمة بإدانة سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس وكبير مستشاريه بالحكم عليه لمدة 12 اثني عشر عاماً بتهم فساد تخص مشروعات وصفقات حكومية، استفاد منها هو ورجال اعمال تمت ادانتهم وسجنهم ايضاً لفترات ما بين 10- 15 سنة مع التنفيذ.
هذا التقرير الذي نشر عن تجربة ومسار مكافحة الفساد في الجزائر خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة وخاصة العام 2022 تشير إلى أن هذه التجربة اتسمت بالجدية والصرامة، وربما بالشفافية المطلوبة من الرأي العام الجزائري.
إنها تجربة لافتة وربما رائدة ومهمة لمكافحة الفساد، والتي قد تضع الجزائر في لائحة الدول التي اعترف العالم بنجاحها في مكافحة الفساد مثل : ماليزيا، سنغافورة، نيجيريا، بلغاريا، الهند، اميركا.. وغيرها.
وأضيف إنها تجربة تستحق المتابعة والاستفادة من دروسها ونجاحاتها.. فهل سيسعى العراق المستشري فيه الفساد بشكل مخيف إلى محاكاة هذه التجربة والاستفادة منها، دون ادعاءات لفظية معاكسة وغير واقعية.. نأمل ذلك!.