أحلام

الصفحة الاخيرة 2023/02/23
...

حسن العاني



في أعوام التصحر والجفاف وصحوة الدكتاتورية وأيام زهوها، تعلمنا بالممارسة الإجبارية كيف ننام ونحلم بالقائد الملهم وحفظه الله ورعاه والمؤامرة، والرفيق، والخونة، والإعدام. فإذا استيقظنا وجدنا أنفسنا مكبلين بالزيتوني وتدريب الشعب، ولا نكاد نخرج من حرب حتى نذهب إلى حرب، والنتيجة ملايين الشهداء والجرحى والمعاقين والأرامل والأيتام .. وفي أعوام التصحر والجفاف وصحوة الديمقراطية وأيام زهوها، تعلمنا بالممارسة الاختيارية، كيف ننام ونحلم ونهذي بالحرية والمساواة والعمل والسكن والخدمات والانتخابات، فإذا صحونا وجدنا أنفسنا مكبلين بالطائفية والاحتلال والقاعدة والفساد، والنتيجة مدن تسقط وقتل على الهوية وملايين الشهداء والجرحى، والمعاقين، والأرامل، والأيتام..

حين تفتحت عيوننا في وقت مبكر على ثقافة جديدة قبل أكثر من ستة عقود، كانت أول عبارة تبناها أولياء أمورنا، وأول شعار رفعوه، وأول درس حاولوا نشره في مدارسنا وعقولنا وفلسفتنا (لا جديد تحت الشمس)، مقولة نسمعها ليل نهار، وبصورة مباشرة وغير مباشرة، كنا نعرف وندري، ومع ذلك نزعم مكرهين كما يزعمون، أن (لا جديد تحت الشمس)، أما في قناعتنا وسرنا وتجمعاتنا الخاصة وفي ثقافتنا – نحن شعب الثقافة والشعر والإبداع – نعرف أن تلك المقولة ترفض أي معنى من معاني التطور والتقدم، وتدعو إلى بقاء كل شيء على حاله، وتتمسك بالموجود والقائم، وكأن الحياة والأفكار وتباين الآراء ليست أكثر من جمادات لا حياة فيها. كنا نعرف وندري وندرك تمام المعرفة والدراية والإدراك، أن دعاة هذه المقولة قبل أن يكونوا حفنة من شيوخ الرجعية، هم حفنة من عشاق المنصب، وهوايتهم الوحيدة التي يقاتلون من أجلها هي التمسك بكرسي الزعامة والقائد الضرورة، والخوف من فقدانه، والحرص على بقائه وكأنه إرث ورثوه عن آبائهم، ومع ذلك وتحت الشعار البراق (يا محلى النصر بعون الله) وسلطة الزناد والرصاص والفوهة التي تلامس جباهنا، كنا نزعم كما يزعمون ونحن نرى أمام عيوننا، كيف يتم الضغط على الزناد، وكيف يحيل الرصاص حياة من يرى رأياً آخر، أو يبدي رأيه، إلى صمت أبدي، وجثة ترمى على قارعة الطريق أو في أقرب مزبلة.. شيء ما أتعب روحي وشوش أفكاري ودفعني إلى التساؤل: أليس أصحاب هذه المقولة في بلادنا على حق وأنا أرى الدكتاتورية والديمقراطية لا تأتيان بجديد، فعلى الدوام زيادة في أعداد الأثرياء، وزيادة أعظم في أعداد الفقراء، وما زلت أتساءل: هل هي محض مصادفة أن تبدأ الدكتاتورية والديمقراطية بحرف (الدال)، أم هل أن القضية حقاً هي قضية (لا جديد تحت الشمس) وعلينا أن نرفع الراية البيضاء ونلتزم الصمت؟!.