ألوان

ثقافة 2019/04/10
...

حسين الصدر
 
 
- 1 -
للشعر العربي نكهتُه المميّزة وإثاراتُه الحلوة، وصورُه الجميلة، ومعانيهِ الرائعة وقوافيه الباهرة ...
ولقد واكبت الحركةُ الشعرية المسار الانساني بكل منعرجاته واتجاهاته ومناحيه ..
- 2 -
لاحظ الشاعرُ (فخر الدين اسماعيل بن علي ت 610 هـ) اليد (المضمومةَ) لكل وليد، ثم لاحظ انّ هذه اليد نفسها تكون (مبسوطة) عند الرحيل، فانتزع مِنْ هاتين الحالتين: ولادة الحرص مع الانسان، وتركه كلَّ ما جَمَعَ بسبب الحرص عند الوفاة، فقال:
دليلٌ على حرصِ ابنِ آدمَ أنّه 
ترى كَفَّهُ مضمومةً وقتَ وضَعِهِ 
ويبسطها وقتَ المماتِ إشارة 
الى صِفْرِها مما حوى بَعْدَ جَمْعِهِ
3- -
ويقول الشاعر “عبد العظيم البغدادي ت 612 هـ “
اذا أَفَادَكَ انسانٌ بفائدةٍ 
مِنَ العلومِ فأَدْمِنْ شُكرَهُ أَبَدا 
وقُلْ فلانٌ جزاه اللهُ صالحةً 
أَفَادَنِيها وألْقِ الكِبْرَ والحسدا
غمط الحقوق، وإنكار الأفضال والفضائل من الأمراض الشائعة منذ قديم الازمان..
ومن هنا دعا الشاعر الى المبادرة الى شكر مَنْ أفاض بالمعطيات العلمية، والدعاء له، بَدَلاً من التنكّر والمكابرة والحسد ...
- 4 -
ويضيق (الفصيحي ت 606 هـ) بالنحو وقواعِدِه المعقدّة فيقول:
النحوُ شؤمٌ كلَّه فاعلموا 
يذهبُ بالخير مِنَ البيتِ 
خيرٌ مِنَ النحوِ وأصحابِه 
ثريدة تَعمل بالزيتِ 
قال هذا مع انه من المتبحّرين بالنحو، والبيتان يدلان على ما كان يعانيه من شظف العيش وقلة ذات اليد..!، بحيث فضّل (الثريرة) على النحو وعلمائه وكل مَنْ كان يتعاطاه !!
 - 5 -
وقال (المقدسي المتوفى سنة 620 هـ) :
لا تجلسنَّ بباب مَنْ 
يأبى عليك دخولَ دارِهْ 
وتقول حاجاتي اليهِ 
يعوقُها انْ لم أُدارِهْ
اتركْهُ واقصد ربَّها 
تقضى وربّ الدار كارِهْ 
انها موعظة بليغة لكل من يتسكع على الأبواب – ابواب ذوي السلطة والجاه – متشفعاً بهم لقضاء حاجاته، فيذلونه بعد ان أذّل نفسه، ويُهيب بأولئك المتسكعين أنْ يتوجهوا بحاجاتهم الى ربهم، الذي لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وهو القادر على قضاء حاجاتهم، بعيداً عن كل ما يتعرضون له من استهانةٍ بكراماتهم 
- 6 -
ويقول احمد البغدادي ت 623 هـ :
اذا لم اجد لي في الزمان مؤانسا 
جعلتُ كتابي مؤنسي وجليسي 
وأغلقتُ بابي دُونَ مَنْ كان ذا غنىً 
وأمليتُ من بابِ القناعةِ كيسي 
انّ الكتاب هو الانيس الذي يرفع عنك الوحشة، وهو الجليس الصالح الذي ينفع ولا يضر، وسيد الحلول ان تروّض نفسك على القناعة فتملأ بها كل الفراغات ...
فالقناعة – كما قيل – كنز لا يفنى 
- 7 -
ويقول الواسطي ت 594 هـ :
لا تغبطنَّ وزيراً للملوك وإنْ 
أنالَهُ الدهر منهم فوقَ هِمْتِهِ 
واعلم بانَّ له يوماً تمور به 
الارض الوقورُ كما مارتْ بهيبَتِهِ
 (هارونُ) وهو أخو (موسى) الشقيق له 
لولا الوزارةَ لم يأخذ بِلِحْيتِهِ
الوزارة في عصره كانت مركبا خطراً للغاية، فقد تتيح لصاحبها دنيا عريضة ملأى بالنعيم في فترة من الفترات، الا انها قد تنقلب الى جحيم على حين غرّة.
وليست (الوزارة) بمأمونة العواقب حتى في أيامنا، مع تفشي الفساد في كل مفاصل الوزارة، فقد يكون الوزير نزيها مخلصا ولكنه محاط بالأبالسة والشياطين من المحتالين 
والسراق ...