المرأة عدوة نفسها

آراء 2023/02/27
...

 سعاد الجزائري


 كتبتُ وقرأت وهتفت ونظّرت كثيرا بموضوع حقوق المرأة وإنسانيتها المستلبة. 

بدأ هوسي بهذا الموضوع في منتصف عقدي الثاني من العمر، لذلك درّبت وطوعت فكري على كل أساليب المطالبة بهذه الحقوق، حتى قبل أن يتدرب قلبي على الحب وفنونه وأساليبه.

عملت ونشطت مع منظمات نسوية عديدة، ليس عراقية فقط، بل عربية وعالمية، وأغلب هذه المنظمات تتحدث وتطالب بحقنا كنساء ظلمهن؛ (المجتمع) و(القانون) و(الشرع)، بل وحتى الكتب السماوية، التي فُسرت وفقا لمشيئة دنيوية وتبعا لميول واتجاهات شخصية يسيرها المنطق الطائفي أو التعصب 

الديني.

فـ (المجتمع)، والذي نحن أكثر من نصفه الآن، بسبب الحروب وأخواتها من الصراعات بأنواعها، بدءا بالسياسية مرورا بالطائفية وغيرها والتي التهمت أرواح الشباب من الذكور، لذلك صرنا أكثر من نصف المجتمع عددا، وأقله من ناحية الحقوق، رغم تضاعف واجباتنا الوظيفية والمنزلية، لكن حقوقنا تراجعت في السنوات الاخيرة، فصرنا عمليا ووفق المعيار العالمي لحقوق الانسان منتهكات وأقل قيمة حتى من ربع المجتمع، على الرغم من (المشاركة السياسية الصورية) غير الفاعلة، وغير المجدية للنساء وخاصة بالنسبة لحقوقهن، والدليل على ذلك التراجع في أغلب الامور التي تتعلق بالمرأة، وفقداننا لمنجزات كبيرة حققتها الأجيال التي  سبقتنا.

وعلينا ألا ننبهر ببريق الحضور السياسي المفتعل للمرأة بين الكتل السياسية، والتي تتعامل مع تمثيل المرأة برلمانيا وسياسيا بشكل تزويقي خالٍ من مصداقيته، ودور غير مفعّل لأسباب قصدية كثيرة.

أما (قانونيا)، فقد اختل ميزان عدلنا، وارتبكت أحكامه ليس بقضايا المرأة فقط، بل يشمل ذلك عموم قضايا المجتمع، مما تسبب بعودة وسيادة قانون العشائر بقوة ليشغل الفراغ الذي تركه القضاء المغيّب.

والرمز الذي وضعوه لحاملة ميزان العدالة المعصوبة العينين، فقد رفعنا عصبة العين لتنحاز عند إصدار الاحكام.

اما (الشرع)، فتأويله قائم على خرق كل ما يتعلق بالمرأة وإنسانيتها وبالتالي حقها وحقوقها... فكل شيخ وسيد منح نفسه الحق الإلهي في تفسير وليّ النصوص، وفقا لميوله وأهوائه ورغباته الدنيوية وليس الدينية.

ولا أستطيع هنا أن أتجاوز أثر وتأثير المجتمع أو القانون أو الشرع عند الحديث عن المرأة وإنسانيتها وخساراتها المتزايدة، لكني ايضا أريد أن اتحدث عن عنصر رابع يسيء لنا ولحقوقنا بشكل مختلف، لأنه غير معلن، وتحاول الكثيرات منا تغطيته بالبرقع المهلهل، هذا العنصر كامن فينا ومدفون تحت أحاسيس تجيد الاختباء أو  التمظهر.

عنصر ينمو ويتغذى داخل تربة النساء، ويتعاظم تدريجيا في أرواحنا وفي أهوائنا، وإلا كيف صارت الكثير من النساء ألدّ اعداء بنات جنسهن؟. 

قد تتنوع الأسباب والمسببات عند النسوة اللواتي يناصبن العداء ضد مَنْ تفوقت عليهن، أو لأنها أبدعت في جانب وتميزت به عنهن، وقد يكون العداء ناجما عن عثور الواحدة على بوابة سعادتها سواء في العائلة أو العمل أو في الحب أو المال، وربما في جمال الروح أو المظهر، وهذا يثير غضب بعضنا.

وبالتالي فإننا نناضل ضد مجتمع ينتهكنا، أو قانون يسلب حقنا الإنساني أو الشرعي، أو ضد فتاوى تسيء لنا، لكن كيف نناضل ضد أنفسنا، فالخيانة كما نعرف خلفها امرأة، والزوجة الثانية أو الثالثة ايضا امرأة، وكثير منا تتعثر حياتهن العملية بامرأة ايضا، لأن المرأة عندما تمتهن الكره ضد مثيلتها تكون أشد قسوة من المجتمع أو القانون أو الشرع، وليس أصعب على الإنسان من مواجهة عدو يعشش داخله، أي عندما يكون عدوا 

لنفسه.