عبد الهادي مهودر
بشكل مبكر ننتظر مدفع إفطار شهر رمضان هذا العام لمشاهدة مسلسلاته التاريخية والأعمال الدرامية الخاصة بهذا الشهر الكريم، نحن أبناء هذه الأمة العظيمة عيوننا ترنو إلى الفوازير والدراما التلفزيونية، وتبدو الحكاية هذه المرة مختلفة وستجرنا الأعمال الدرامية التلفزيونية إلى سجالات متجددة حول التاريخ الذي نقدسه حقاً كان أم باطلاً ونستشهد دون أبطاله، ظالمين كانوا أم مظلومين، والخطورة في الموضوع أن التاريخ أصبح بمنزلة الآلهة التي كان أجدادنا العرب يقدسونها وينذرون لها النذور ويصنعونها من التمر ويأكلونها عند الحاجة، لكن الغريب أن الأمة التي خرجت من رحمها (خير أمة أخرجت للناس).
لا تعترض على عرض مسلسلات تشجع على عقوق الوالدين وقلة الأدب والخيانة الزوجية، لكنها قلقة من المسلسلات التاريخية بشقيها المختلفين على هلال الشهر ومسلسلاته، بين رافض ومستنكر بالجملة لعرض المسلسل ورافض ومستنكر بالمفرد لتمثيل شخصياته من قبل ممثلين (ملحدين) وممثلات (متهتكات)، وبين ناقد مصري يقول (هو إحنا نائصين؟!) ويؤكد هذا التباين الحاد صعوبة تناول أحداث إسلامية تاريخية مختلف عليها في فيلم سينمائي أو عمل درامي من وجهة نظر واحدة تضعه في خانة التقديس أو التدنيس، فقد أمضى المخرج الراحل مصطفى العقاد عدة سنوات بإنتاج فيلم "الرسالة" وطاف في أرجاء العالم الإسلامي من أجل الخروج برؤية متقاربة ومتفق عليها واستعان بعلماء الدين وبأفضل الكتاب والروائيين ومع ذلك واجه الكثير من المصاعب وتوقف تسجيل الفيلم في المغرب وانتقل إلى ليبيا ولم يعرض الفيلم في بعض الدول العربية إلا بعد مرور أربعين سنة، فكيف الحال بأعمال درامية عن أحداث في ذروة الشقاق والخلافات والفتن الكبرى؟
والدراما بات يعوّل عليها في تصدير الأفكار ومداواة الجروح أو تعميقها، لكنها في كل الأحوال أعمال تمثيلية يبلغ فيها مستوى الإتقان حد الاقتناع والوهم بأنها مطابقة للحقيقة، ومن ظريف ما ذكره العقاد عن كواليس فيلم "الرسالة" أن أبناء القرية الذين استخدمهم لأداء أدوار الكومبارس كانوا يرفضون القتال في جيش المشركين ويطلبون الالتحاق بجيش المسلمين، وبينما كان الصراع حول تفاصيل الفيلم يشتد والعرب والمسلمون ينقسمون حوله وينسحبون من تمويله، كان المخرج والمنتج مصطفى العقاد يواجه مشكلة توفير المشروبات الكحولية التي يطلبها ممثلو هوليوود بنسخته الانگليزية إلى جانب أصدقائهم من الممثلين العرب، حتى سمحت لهم السلطات الليبية بتناولها في مخيمات خاصة، وكانوا يشربون من الكأس نفسها، لكن كثيراً من أبناء هذه الأمة المختلفة ما أصابتهم الصدمة إلا حين شاهدوا صورة تجمع منى واصف (هند بنت عتبة) وعبدالله غيث وانتوني كوين (حمزة بن عبدالمطلب) مع المخرج العقاد وهم في قمة السعادة ونحن في قمة الاختلاف.