اليمين المتطرف ماذا يحضّر للفلسطينيين؟

آراء 2023/02/28
...

سناء الوادي 

تتعاقب السنون الثقال على الشعب الفلسطيني وتبدّل معها قيادات الاحتلال الغاصب أساليب الشدّ والجذب، بيدَ أنّه لم يتغير الفكر الاستيطاني قيد أنملة، وما أشبه اليوم بالأمس المرير فها هي تقبع في الأذهان صورة الطفل الشهيد محمد الدرّة والدماء الطاهرة، التي نزفت ثائرة لكرامة المسجد الأقصى الذي دنسه متزعم المعارضة أرييل شارون عام 2000م بحماية من الشرطة وبمباركةٍ من إيهود باراك رئيس الحكومة لتندلع على إثرها الانتفاضة الثانية، واستمرت خمس سنوات دامية اجتاح فيها الاحتلال مناطق غزة والضفة الغربية، ودمرت حينها آلاف المنازل وجُرّفت الأراضي الزراعية، ونجح الصهاينة ببناء الجدار العازل لمنع أبناء المحافظات الغربية من الدخول للخط الأخضر والقدس المحتلة.

 

إنّ يد اليمين المتطرف إذ تتدخل في مجريات الأحداث تجعل من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أكثر دموية، لأنه يتخذ تعاليم الديانة اليهودية ذريعة لفرض سيطرته على كامل الأراضي الفلسطينية، التي تنص حسب زعمهم بوجوب تعجيل آخر الزمان ليخرج السيد المسيح عليه السلام ويعيد بناء هيكل سليمان، وبقراءة خاطفة لبدايات هذا التيار المتشدد كان العام 1967م نقطة التحول الكبيرة له، ذلك التاريخ الذي يحمل بين جنبيه هزائم النكسة، التي مُني بها العرب بينما سيطرت إسرائيل على الضفة الشرقية وسيناء المصرية والجولان السورية، عندها شعر اليهود الغاصبون بإمكانية تحقيق الأحلام والوصول للقدس بما يتوافق مع النبوءة التوراتية آنفة الذكر، فكادت حينها أن تنشب حرباً دينية بين اليهود والمسلمين حول أحقية أحدهم بقدسية الأقصى، لولا تدخل موشي دايان وزير الدفاع ومنعه دخول اليهود للمسجد خشية الوقوع بنزاع عقائدي لا تستطيع إسرائيل الناشئة ذلك الوقت تحمل تبعاتها.

وفي السياق المتطرف نفسه فقد حصلت جماعة العودة للهيكل اليمينة على وعدٍ من ايتمار بن غفير بذبح القربان داخل المسجد الأقصى المبارك، وعلى ما يبدو فإن هذا الصهيوني قد خطا أول مراحل تنفيذه مبتغى جماعته التي ينتمي إليها، وهو الذي يشغل حالياً وزير الأمن القومي الإسرائيلي وسط ذهول الإسرائيليين أنفسهم، فبعد ما شكل نتنياهو الحكومة الجديدة بمساندة التحالف الديني الحاصل على 14 مقعداً في الكنيست، كان لزاماً عليه تقديم الثمن وتقليد بعضهم حقائب وزارية رغم تزاحم إشارات الاستفهام حول سجلاتهم التي يوجد فيها أحكاماً قضائية شائنة ناهيك عن سلوك البعض الآخر بالغ التطرف، ليبرز في المقدمة بن غفير باقتحامه الباحة الخلفية للأقصى متحدياً للفلسطينيين ومستفزّاً مشاعر المسلمين، أينما كانوا ومتوعداً بتكرار هذه الاقتحامات. 

وعلى صعيد ثانٍ فقد شهد مخيم جنين في الأيام التالية لذلك مجزرة راح ضحيتها تسعة شهداء أثناء مداهمة قوات الاحتلال للمخيم، إنّ تصعيد أحداث العنف وخرق الالتزام بالقوانين الدولية والتهدئة بين الطرفين، وتغيير لهجة خطاب القادة الصهاينة، نحو استثارة المشاعر الدينية عند اليهود حول العالم، وكسب المزيد من التعاطف مع هذا الكيان، الذي يُمنع من ممارسة شعائره في مقدساته « حسب قولهم « والظهور كضحية للوحشية الفلسطينية المسلمة.

توقع بعض المحللين أن هذا النهج سيتبعه نتنياهو لصرف النظر عن كراهية الجزء الأكبر من المستوطنين لهذه الحكومة اليمينية، تجلّى ذلك واضحاً في الاضطرابات الأمنية في الداخل عقب عملية الاستشهادي خيري علقم، التي أودت بحياة ثمانية مستوطنين في النبي يعقوب، ومن ثم خرجت الاحتجاجات في الشوارع لرفض تصرفات بن غفير التي زادت وتيرة العنف. 

من المؤكد أن صعود اليمين إلى سدة الحكم سيجعل من الصراع أكثر تعقيداً في قادم الأيام وهو ما حذر منه يائيير لابيد زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق قائلاً إن هذه الخطوة ستجرّ وراءها أعمال عنف، ولربما أدرك لابيد ومن يتفق معه من المحنّكين الاسرائيليين أن التحول للحرب الدينية سيغير من صورة إسرائيل العلمانية المدنية وسيقلب الطاولة على رؤوسهم، فيهب المسلمون للدفاع عن المقدسات والفلسطينيون لحماية وجودهم المهدد بالزوال ذلك ما سيشعل حربا في المنطقة قد تنهي وجود إسرائيل بالتأكيد.

رفض التطرف اليميني يأتي من جميع الأطراف في الداخل والخارج وهو ما قد ينبئ بحلّ هذه الحكومة قريباً، وما على الشعب العربي الفلسطيني هناك سوى ضبط النفس حتى لا ينجح التطرف بجرهم لأسوأ أنواع الحروب ما قد يكلفهم الكثير من الأرواح الطاهرة والمزيد من الخسائر في الأرض وبناء المستوطنات.