أ.د عامر حسن فياض
كانت السياسة ولا تزال قرينة، في وجودها وممارستها بمبدأ المواطنة.
وقبل التعرف على هذا المبدأ الإنساني لم تكن النشاطات المجتمعية الإنسانية تدخل في دائرة النشاطات السياسية، لأن مجتمع هذه النشاطات حينها لم يكن مجتمعاً سياسياً، بل كان مجتمع فطرة يعيش حالة طبيعية أو أولية وأحياناً تسمى حالة بدائية.
وعند ظهور المجتمع السياسي المدني (نسبة إلى المدنية)، اقتصرت السياسة تفكيراً وممارسة، أول الأمر، على من يحملون صفة المواطنة وهم القلة من حيث النوع (رجال فقط دون نساء)، وهم القلة من حيث التمتع بالحقوق والامتيازات (الأحرار فقط) يقابلهم الكثرة من أصحاب الواجبات قبل الحقوق أو دونها.
عليه فإن السياسة هي صنعة المواطن (الفرد) وليست صنعة المكون (الجماعة) عبر التاريخ الإنساني.
وهذا المواطن أصبح في حياتنا المعاصرة يمتلك هوية سياسية بصفته فرداً، وكذلك يمتلك هوية أو مجموعة هويات غير سياسية من خلال انتمائه إلى عرق أو طائفة أو عشيرة.
وإن أفراد هذه المكونات (طوائف، أعراق، عشائر)، وبصفتهم مواطنين فقط وليس بصفتهم مكونات لهم الحق جميعاً في أن يشاركوا في الحياة السياسية.
وبهذه الطريقة فقط نسمح لأنفسنا القول إن السياسة للجميع دون استثناء ودون إقصاء ودون تجاهل لأي عنصر (فرد) من هذا الجميع وبغض النظر عن هويته العرقية أو الدينية أو الاجتماعية وتلك هي ألف باء في القواعد الذهبية للسياسة بوصفها ظاهرة ومصطلح وعلم ومهنة.. وبذلك تصبح السياسة في عالمنا المعاصر حقاً للجميع وصنعة للمواطن فقط.
إذن كيف السبيل إلى امتلاك مفتاح ثقافة التعامل مع علة معظم ساسة عراق اليوم كيما يجيدوا صنعة النجاح ويعتزلوا صفة الاخفاق، وكيما تجعل منهم الملاذ للمعلولين المتطلعين إلى الشفاء من علل الحاضر بعقاقير المستقبل، وكيما نجعل منهم أيضاً الملجأ للمساكين الباحثين عن الأمن والأمان من عباد الله في هذا الوطن، وكيما نجعل من هذا السبيل المنجد للأحياء، من أهل البلاد، المحكومين أغلبهم من قبل الاموات.
لدينا السبيل لتعليم ساستنا السياسة في لحظة: إنها لحظة الاستعانة بالضمير عندما يختار ضمير الساسة خيار ترك السياسة لأهلها.
أو لخيار أن يصبحوا حقاً من أهلها.
ففي الحالة الاولى يتأكد لدينا أن من ترك السياسة منهم بدأ يتعلمها.. أما في الحالة الثانية فيتأكد لدينا أن من يريد أن يكون من أهل السياسة حقاً عليه أن يتعلمها، فيسمع المختلف ويتعامل معه من دون أن يتحداه أو يتجاهله.
كما سيفهم التمييز مابين ثقافة التعامل (الفاعلة والمتفاعلة) وثقافة التصدي (العازلة والمعزولة) عند من يحرص على قيادة الشأن العام. ففي الثقافة الأخيرة (ثقافة التحدي) سنخسر الجديد والمبتكر المفيد الآتي من الآخر مرتين.. مرة عندما نرفض جديد الآخر ومبتكره بالتصدي والتحدي والمواجهة.. وأخرى عندما نضطر وبشكل متأخر لقبول جديد الآخر ومبتكره. وبسبب غياب ثقافة التعامل وحضور ثقافة التحدي عند معظم ساسة عراق اليوم، فإن الديمقراطية التي يريدونها ستكون ديمقراطية بــــــ (مخالب) للتصدي والتحدي والمجابهة والمواجهة مع الآخر.. فبعضهم يرى في الجار الشمالي (عثمانيا) ويرى بعضهم الآخر في الجار الغربي والجنوبي (أموياً) ويرى بعضهم الثالث في الجار الشرقي (صفوياً) وهكذا يتفنن معظم الساسة وكل حسب هواه، ومخيلته المحكومة بالماضي وبثقافته الهجومية المسلحة بالتحدي والتصدي، يتفنن في قذف الاتهامات جزافاً على الآخرين. وهكذا ايضاً فإنهم يريدونها للعراق ديمقراطية بـــــ(مخالب) تجرح الآخرين في وقت تكون فيه البلاد أحوج ما تكون إلى أصدقاء، وليس إلى أعداء رغم أن الأعداء للعراق هم حدث ولا حرج!.