الرأي العام وسيكولوجيَّة الجماهير

آراء 2023/03/01
...

  رحيم عزيز رجب


الصوت الهادر أو صوت الجماهير، والذي يتحرك ويهتف طبقا لعواطفه الجياشة ومشاعره الإنسانية، فتكون  هذه الجماهير مجنونة بطبيعتها فهي تصفق بحماسة شديدة لمطربها المفضل أو لفريقها أو لربما تصطف لساعات على جانبي الطريق، لكي تشهد من بعيد مرور شخصية مشهورة أو زعيم كبير للحظات خاطفة، أو لربما تجدها مهتاجة قد تهجم على شخص، لكي تقتله حتى دون أن تتأكد أنه المذنب، فإذا ما أحبت الجماهير دينا أو رجلا ما تبعته حتى الموت، كما تفعل الجماهير مع رجال دينها وكما فعل اليهود مع نبيهم والمسيحيون المتعصبون وراء رهبانهم والمسلمون وراء شيوخهم، وقد تحرق الجماهير ما  قد عبدته بالأمس وتغير أفكارها كما تغير قمصانها. 

إنَّ ما اختار بعض النواب لكسب الجمهور ولضمان حصد أكبر عدد من الأصوات، هم من عرفوا  كيف يفرضون على الجماهير عواطف التعصب الديني، والتي تجعله يضحي بحياته من أجل معبودته، فالإمبراطورية الرومانية لم تستمر على قيد الحياة بواسطة القوة، وإنما بواسطة الإعجاب الديني الذي تلهم الناس يقول  (فوستيل دو كولانج )، سوف يكون من غير المعقول أن يستمر نظام سياسي (ما ) مدة خمسة قرون، وهو مكروه من قبل الشعب هذا الشيء لا سابقة له في تاريخ العالم، فثلاثين فوجا عسكريا في الإمبراطورية  تهيمن على مئة مليون، وتجبرهم على الطاعة وما ولاؤهم إلا للإمبراطور الذي جسد عظمة الرومان، حيث كان معبودا من قبل الشعب، فالشخص الذي يمتلك القوة السحرية للتحكم بالزمن والتلاعب به. 

سوف يمتلك الجبروت الذي يعزوه المؤمنون لشيوخهم أن المواضيع والوسائل الستراتيجية المهمة والخطوط العامة، لكسب الجمهور هو الضمانة الوحيدة لحصد أكبر عدد أكبر من الأصوات، تعتمد على عاطفته، والتي تتعلق بالتعصب الديني والتي تجعله، ربما يضحي بحياته من أجل معبدوه، فلا يمكن تحريك الجمهور والتأثير فيه، الا بواسطة العواطف المتطرفة.

فالخطيب الذي يريد جذبها ينبغي عليه استخدام الشعارات العنيفة، ربما يحتاج إلا أن يبالغ في كلامه ويؤكد بشكل حازم، ويكرر دون أن يحاول إثبات أي شيء عن طريق الحاجة العقلانية، وهذه هي الطريقة التي يستخدمها الخطباء في الملتقيات الشعبية، يعتقد الكثيرون من علماء النفس أن الإرادة القوية وقوة الشخصية هي نوع من الجاذبية، التي يمارسها فرد (ما) على روحنا  أو يمارسها عمل أدبي (ما)، أو عقيدة (ما)، وهذه الجاذبية الساحرة تشمل كل ملكاتنا النقدية، وتملأ روحنا بالدهشة والاحترام والعواطف المثارة على هذا النحو، لا يمكن تفسيرها، ككل العواطف ولكن ربما كانت من نوع التحريض نفسه، الذي تصيب شخصا (ممغنطا)،  فالشخص المهيب له خاصية الجاذبية، ليمارسها في عمل أدبي (ما)، أو عقيدة (ما)، وهذه الجاذبية الساحرة تشلُّ كل ملكاتنا النقدية وعلى روحنا بالدهشة والاحترام والعواطف المثارة على هذا النحو والتي لا يمكن تفسيرها ككل العواطف.

فهل وصل سياسيونا ونوابنا إلى ما ذكرته  أعلاه واختصرت فيه كل عوامل الكسب والحضور الشعبي، وهل مارسوا دورهم الإنساني والحضاري مع من انتخبهم وأدوا الأمانة هل تعايشوا مع ناخبيهم في العراء؟، وهل حضروا وتواجدوا في ساحات الوغى والعز مع أخوتهم؟، وهل أطعموا أسرهم  الحصص التموينية على موائد الشعب؟، ليكون لهم المواطن سند وظهير.