علي حسن الفواز
يبدو أنّ تجاوز العقدة العسكرية في السودان سيكون رهاناً صعباً، على مستوى حلِّ الأزمة السياسية، أو على مستوى الحصول على ثقة المجتمع المدني بإدارة ملف هذه الأزمة، والتعاطي مع تعقيداتها ومساراتها.
البحث عن خط لـ”الاتفاق الإطاري” هو الخيار الواقعي، لمواجهة مايجري، وللحد من العنف والغضب الشعبي، وترسيم حدود سياسية وأمنية لقضية الأمن القومي، وهذا مايجعل التعاطي مع تعقيدات الإصلاح السياسي موضوعاً مفتوحاً، ومجالاً للحديث عن ضرورة الاحتواء السياسي للقوى الفاعلة في الواقع السوداني، لاسيما تلك القوى المسلحة، ومنها قوات الدعم السريع التي يقودها حميداتي، فوجود مثل هذه القوات خارج المؤسسة العسكرية الرسمية يُنذر بأخطار إثارة التنازع والصراع، وتأزيم خيارات البحث عن حلول عقلانية للأزمة السياسية.
كان التوقيع على اتفاقية جوبا للسلام مدخلاً للحديث عن “التسوية السياسية” وعن الاستعداد لإيجاد ترتيبات تكفل تحويل الاتفاقية إلى واقع، وإلى إجراءات تهيء الأجواء العامة لانتخابات حرة، ولاختيار حكومة مدنية تملك آليات مواجهة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية، لكن هذا الأمر سيظل صعباً، مع وجود تهديدات داخلية، ومنها غياب الوحدة الوطنية، ووحدة المؤسسات العسكرية، فضلاً عن وجود معارضة من أحزاب تحالف الحرية والتغيير، والتي مازالت تطالب بحقوق مدنية، وترفض أي تصعيد عسكري خارج الاتفاق، والسعي إلى صياغة عقد وطني، يكفل وحدة المؤسسة العسكرية، ويعزز مسارات الذهاب إلى حكم مدني يحترم إرادة الشارع السوداني.
لقد بات واضحاً أن الحصول على ضمانات للإدارة السياسية المدنية سيكون مرهوناً بما يجري، وعلى رغبة القوى السياسية والعسكرية في تأكيد مبدأ “العدالة الانتقالية” واتباع المرجعية القانونية للمحاسبة عن أعمال العنف، وعن قمع المتظاهرين، وعن انتهاكات حقوق الإنسان وغيرها، وهذا الأمر لا يحدث في ظل “سلطة عسكرية” تفرض سلطتها عبر سياقات تتداخل فيها إجراءات الطوارئ، ومواجهة الاحتجاجات بالعنف، فضلاً عن مواجهة تحديات الواقع الاقتصادي، والواقع الإقليمي وحتى الدولي، والذي جعل من “القضية السودانية” أمام واقع ينبغي للسودانيين إدراك أخطاره الجيوسياسية على المستقبل السياسي وعلى معالجة أزمات
المجتمع والدولة.