حسن العاني
ابتداء أعترف من دون إكراه بأنني لم أحترم في حياتي سوى دكتاتور واحد إلى حد العشق والطاعة، على كثرة الأسماء التي حملت صفة الدكتاتور عبر تاريخ البشرية الطويل، ولكي أقطع الطريق على (كتاب التقارير) والمتصيدين بالماء العكر، أعترف كذلك بملء إرادتي بأن المقصود بعنوان (أجمل دكتاتور) هو (والدتي) عافاها الله وأطال عمرها، فمنذ طفولتي وحتى بلوغها الآن (92) سنة، وهي كما هي، لم تتغير شخصيتها أو يتبدل سلوكها، إذ ما زالت تحكم البيت بكلمة واحدة لا يمكن أن تكون كلمتين، وبقبضة حديدية لا يفلت من سطوتها صغير أو كبير، ولا تبالي بلومة لائم !.
إنها على سبيل أبسط الأمثلة تتابع الأفلام العربية القديمة (أسود وأبيض حصراً) ولا تلتفت إلى غيرها أبداً، وكان من الطبيعي جداً أن تحتكر التلفزيون وحدها على حسابنا جميعاً (أبناؤها وأزواج أبنائها وأحفادها) ولذلك فنحن محرومون من نشرات الأخبار، والأغاني، والأفلام الأجنبية، والمسلسلات، والحوارات.. الخ، على أن ممارستها الدكتاتورية لا تقف عند هذا الحد، فقد كانت وما زالت ترغمني (أنا بالذات) على مشاهدة أفلامها، حتى إذا انتهى عرض الفيلم يجب أن أقوم بروايته لها بالتفصيل الممل، ماذا قال يحيى شاهين لمديحة يسري، ولماذا طلبت هند رستم الطلاق من شكري سرحان. ويحدث أحياناً أن ينصرف ذهني وتفوتني لقطة هنا أو أعبر مشهداً هناك، فأروي لها الأحداث بتصرف، وقد أضيف أو أحذف، إلا أنها تنتبه وتوبخني بعنف وترفض روايتي وتتولى هي تصويبها.. ياه.. العيش مع دكتاتور تحت سقف واحد أمر صعب لولا أنني أحب هذا الدكتاتور الجميل!.
مرة قبل عدة أشهر، كنت مع أشقائي في حوار ساخن من حوارات الساعة حول تشكيل الحكومة، وإمكانية حل البرلمان، والانتخابات وحكومة تصريف الأعمال. وكانت والدتي تصغي إلينا بانتباه شديد، وفجأة وجهت سؤالاً خصتني به [يمه هاي شنو حكومة تصريف الأعمال.. أول مره أسمع بيها ؟!]، وكان عليّ تبسيط الإجابة ولذلك قلت لها [يمه يعني حكومة تمشي الحال.. يعني مؤقتة إلى أن تتشكل حكومة جديدة عدها صلاحيات كاملة، لأن حكومة التصريف ماعدها صلاحيات.. يعني بالضبط شلون المعلم يضطر أحياناً إلى ترك الصف دقيقتين ثلاثة، ويخلي المراقب مكانه إلى أن يرجع!] فما كان منها إلا أن لطمت خديها بقوة وقالت [هي الحكومات الأصلية اشقدمتْ للناس.. لعد شلون حكومة مؤقته وما عدها صلاحيات ولا تحل ولا تربط ؟!] ولم يصدر أي تعليق منا، فقد آثرنا الصمت!.